(قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) أي نترامى ، دليله قول عبد الله : ننتضل ، السدّي وابن حيان : نشتد (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) مصدّق (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) لسوء ظنّك بنا وتهمتك لنا ، وهذا قميصه ملطخ بالدم فذلك قوله (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) أي بدم كذب ، وقيل : بدم ذي كذب لأنه لم يكن دم يوسف وإنما كان دم شاة ، وهذا كما يقال : الليلة الهلال ، وقيل : معناه بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم ، كما يقال : ماله عقل ولا معقول.
وقرأت عائشة : بدم كدب بالدال غير المعجمة ، أي طري ، فبكى يعقوب عند ذلك ، وقال لبنيه : أروني قميصه فأروه ، فقال : يا لله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكل ابني ولم يخرق عليه قميصه ، فحينئذ (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) رتبت لكم (أَمْراً فَصَبْرٌ) أي فمنّي أو فعليّ صبر ، وقيل : فصبري صبر (جَمِيلٌ) وقرأ الأشهب والعقيلي : فصبرا على المصدر أي فلأصبرنّ صبرا جميلا ، وهو الصبر الذي لا جزع ولا شكوى فيه.
وقيل : معناه لا أعاشركم على كآبة الوجه وحبوس الحنين ، بل أكون في المعاشرة معكم جميلا كما كنت.
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن ثابت أن يعقوب النبي عليهالسلام كان قد سقط حاجباه على عينيه وكان يرفعهما بخرقة فقيل له : ما هذا؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني؟ قال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي.
(وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) من الكذب ، قالوا : وكان يوسف حين ألقي في الجب ابن ثماني عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة ، وقيل : كان ابن عشر ، ومكث فيه ثلاثة أيام.
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) أي رفقة مارة من قبل مدين يريدون مصر ، فأخطأوا الطريق فانطلقوا يمشون على غير الطريق حتى نزلوا قريبا من الجب ، وكان الجب في قفرة بعيدا من العمران ، إنما هو للرعاة والمجتازة ، وكان ماؤه مالحا فعذب حين ألقي فيه يوسف ، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ليطلب لهم الماء فذلك قوله (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) الوارد : الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيّئ الأرشية والدلاء ، فوصل إلى البئر (فَأَدْلى) فيها