اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) قال مجاهد : هذه الآية متصلة بما قبلها منزلة في قصة العباس وعلي قبل الهجرة ، قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما أمر الله عزوجل المؤمنين بالهجرة وكانت قبل فتح مكة ، من آمن ولم يكتمل إيمانه إلّا بمجانبة الآباء والأقرباء إن كانوا كفارا ، فقال المسلمون : يا نبي الله إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين قطعنا أباءنا وعشائرنا وذهبت تجارتنا وخربت دارنا ، فأنزل الله هذه الآية.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : لمّا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لابنه وأخيه وامرأته وقرابته : إنّا قد أمرنا بالهجرة إلى المدينة فاخرجوا معنا إليها فمنهم من يعجبه ذلك ويسارع إليه ، ومنهم من أبى على صاحبه [وتعلق به] فيقول الرجل لهم : والله لئن ضمني وإياكم دار الهجرة فلا أنفعكم بشيء أبدا ولا أعطيكم ولا أنفق عليكم ، ومنهم من تتعلق به زوجته وعياله وولده ويقولون : أنشدك الله أن تضيعنا فيرق [قلبه] فيجلس ويدع الهجرة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل : نزلت في التسعة الذين ارتدّوا عن الإسلام فنهى الله عزوجل عن ولايتهم (١) فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) بطانة وأصدقاء فتفشون إليهم أسراركم ، ومن المقام بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام.
(إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) فهم في صورة الإسلام وأهله و [في] المكث معهم على الهجرة والجهاد (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) العاصون الواضعون [.....] (٢) في غير موضعها.
(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))
ثم قال : (قُلْ) يا محمد للمتخلّفين عن الهجرة والجهاد (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) وقرأ أبو رجاء ويعقوب وعشيراتكم بالألف على الجمع
__________________
(١) الأقوال كلها في زاد المسير : ٣ / ٣٨٠.
(٢) كلمة غير مقروءة في المخطوط.