(وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) أي معاذ الله ، قال أبو عبيدة : لهذه الكلمة معنيان : التنزيه والاستثناء ، واختلف القرّاء فيها فقرأت العامّة : (حاشَ لِلَّهِ) ، [...] (١) حذفوا الألف لكثرة دورها على الألسن كما حذفت العرب الألف من قولهم : لأب لغيرك ولأب لشانئك ، وهم يعنون لا أب ، واختار أبو عبيدة هذه القراءة وقال : اتّباعا للكتاب وهو الذي عليه الجمهور الأعظم ، مع إنّي قرأتها في الإمام مصحف عثمان عليهالسلام : (حاشَ لِلَّهِ) والأخرى مثلها. وقرأ أبو عمرو : حاشي لله بإثبات الياء على الأصل ، وقرأ ابن مسعود حاشى الله ، كقول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به |
|
ضنّا عن الملحاة والشتم (٢) |
(ما هذا بَشَراً) نصب بنزع حرف الصفة وعلى خبر ما الجحد كما تقول : ما زيد قائما ، وقرأ الأعمش : ما هذا بشر بالرفع وهي لغة أهل نجد ، وأنشد الفرّاء :
ويزعم (٣) حسل أنه فرع قومه |
|
وما (٤) أنت فرع يا حسيل ولا أصل (٥) |
وأنشد آخر :
لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي |
|
جميعا فما هذان مستويان |
تمنّوا لي الموت الذي يشعب الفتى |
|
وكلّ فتى والموت يلتقيان (٦) |
وروى الفرّاء عن دعامة بن رجاء التيمي عن أبي الحويرث الحنفي أنّه قرأ : ما هذا بشريّ ، قال الفرّاء : يعني بمشتري ، (إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) من الملائكة.
قال الثعلبي : سمعت ابن فورك يقول : إنّما قلن له (مَلَكٌ كَرِيمٌ) لأنّه خالف ميوله وأعرض عن الدنيا وزينتها وشهوتها حين عرضن عليه ، وذلك خلاف طبائع البشر.
(قالَتْ) : راحيل للنسوة : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي في حبّه وشغفي فيه ، ثمّ أقرّت لهنّ فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي امتنع واستعصى ، فقلن له أطع مولاتك ، فقالت راحيل : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه ، (لَيُسْجَنَنَ) أحبسنّه ، (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي الأذلّاء ونون التوكيد تثقّل وتخفّف والوقف على قوله : (لَيُسْجَنَنَ) بالنون لكنّها مشدّدة. وعلى قوله : (وَلَيَكُوناً) بالألف لأنّها مخفّفة وهي تشبه نون الإعراب في
__________________
(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) لسان العرب : ١٤ / ١٨٢.
(٣) في المصدر : ويزغم روى حسل.
(٤) في المصدر : وما ولم أنت.
(٥) زاد المسير : ٧ / ٣١٧.
(٦) جامع البيان للطبري : ١٢ / ٢٧٤ ، وفيه لي بدل إليّ.