فلمّا كان الليل أمر لهم بمثل أي فرش ، فقال : لينم كلّ أخوين منكم على مثال ، فلمّا بقي بنيامين وحده ، قال يوسف عليهالسلام : هذا ينام معي على فراشي فبات معه فجعل يوسف يضمّه إليه ويشمّ خدّه حتى أصبح فجعل روبيل يقول : ما رأينا مثل هذا ، فلمّا أصبح قال لهم : إنّي أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان فسأضمّه إليّ فيكون منزله معي ، ثمّ أنزلهم [معه] ، وأجرى عليهم الطعام والشراب وأنزل أخاه لأمّه معه فذلك ، قوله تعالى : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) فلمّا خلا به قال له : ما اسمك؟ قال : بنيامين.
قال ابن من يا بنيامين؟ قال : ابن المثكل ، وذلك أنّه لما ولد هلكت أمّه ، قال : وما اسمها؟ قال : راحيل بنت لاوي بن ناحور ، قال : فهل لك بنون؟ قال : نعم ، عشر بنين وقد اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي من أمّي هلك ، قال : لقد اضطرّك إلى ذاك حزن شديد ، قال : فما سمّيتهم؟ قال : بالعا وأخيرا وأثكل وأحيا وكنر ونعمان وادر وأرس وحيتم وميثم ، قال فما هذه؟ قال : إما بالعا فإنّ أخي قد ابتلعته الأرض ، وأما أخيرا فإنه بكر أبي لأمّي ، وأمّا أثكل فإنّه كان أخي لأبي وأمي وسنّي ، وأما كثير فإنّه خير حبيب كان ، وأمّا نعمان فانه ناعم بين أبويه وأمّا أدّر فإنّه كان بمنزلة الورد في الحسن ، قال : وأما أرس فإنّه كان بمنزلة الرأس من الجسد ، وأما حيتم فأعلمني أنّه حيّ ، وأمّا ميثم فلو رأيته قرّت عيني.
فقال يوسف : أتحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال بنيامين : ومن يجد أخا مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف عليهالسلام وقام إليه وعانقه و (قالَ) له : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) يوسف (فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) لشيء فعلوه بنا فيما مضى ؛ فإنّ الله قد أحسن إلينا ولا تعلمهم شيئا ممّا علمت.
وقال عبد الصمد بن معقل : سمعت وهب بن منبه وسئل عن قول يوسف لأخيه : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) ، فقيل له كيف آخاه حين أخذ بالصواع وقد كان أخبره أنّه أخوه ، وأنتم تزعمون أنّه لم يزل متنكّرا لهم يكابرهم حتى رجعوا؟
فقال : إنّه لم يعترف له بالنسبة ولكنّه قال : أنا أخوك مكان أخيك الهالك ، ومثله قال الشعبي ، قال : لم يقل له : أنا يوسف ، ولكن أراد أن يطيّب نفسه (١).
ومجاز الآية أي : (أَنَا أَخُوكَ) بدل أخيك المفقود (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فلا تشتك ولا تحزن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أمّك ، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك ، ثمّ أوفى يوسف لإخوته الكيل وحمل لهم بعيرا ، وحمل لبنيامين بعيرا باسمه كما حمل لهم ، ثمّ أمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين ، قال السدّي : (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) ، والأخ لا يشعر.
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٣ / ٢١.