قالوا : قد كان يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب جهازا ومائتي راحلة ، وسأل يعقوب أن يأتيه بأهله وولده أجمعين ، متهيّأ يعقوب للخروج إلى مصر ، فلمّا دنا من مصر كلّ يوسف الملك الذي فوقه فخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند ، وركب أهل مصر معهما ، يتلقون يعقوب ، ويعقوب يمشي ويقود ركابه يهوذا ، فنظر يعقوب إلى الخيل والناس ، فقال ليهوذا : هذا فرعون مصر؟ قال : لا ، هذا ابنك.
فلمّا دنا كلّ واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع من ذلك وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل ، فابتدأه يعقوب بالسلام وقال : السلام عليك أيّها الذاهب بالأحزان ، فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ).
فإن قيل : كيف قال لهم يوسف : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) بعد ما دخلوها ، وقد أخبر الله أنّهم لما دخلوا على يوسف وضمّ إليه أبويه قال لهم هذا القول حين تلقّاهم قبل دخولهم مصر كما ذكرنا.
وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير ، وهذا الاستثناء من قول يعقوب حين قال : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) ومعنى الكلام : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) إن شاء الله (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ : ادْخُلُوا مِصْرَ ... آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) وهذا معنى قول أبي جرير ، وقال بعضهم : إنّما وقع الاستثناء على الأمن لا على الدخول كقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (١)
وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند دخول المقابر : «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» [١٢٩] (٢).
فالاستثناء وقع على اللحوق بهم لا على الموت ، وقيل : (إن) هاهنا بمعنى (إذ) كقوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) ، وقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٤) ، وقوله (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (٥).
وقال ابن عباس : إنّما قال : (آمِنِينَ) لأنّهم فيما خلا كانوا يخافون ملوك مصر ولا يدخلون مصر لأنّهم لا جواز لهم ، وأمّا قوله تعالى (آوى) فقال ابن إسحاق : أباه وأمّه وقال الآخرون :
__________________
(١) سورة الفتح : ٢٧.
(٢) صحيح مسلم : ١ / ١٥٠.
(٣) سورة البقرة : ٢٧٨.
(٤) سورة آل عمران : ١٣٩.
(٥) سورة النور : ٣٣.