بصره بعد العمى والقوّة بعد الضعف والشباب بعد الهرم والسرور بعد الحزن.
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حياة يوسف وأنّ الله يجمع بيننا (قالُوا) بعد ذلك (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) مذنبين.
(قالَ) يعقوب عليهالسلام : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) في صلاة الليل ، قال أكثر المفسّرين : أخّره من الليل إلى السحر ، وذلك أنّ الدعاء بالأسحار لا يحجب عن الله ، فلمّا انتهى يعقوب إلى الموعد تقدّم إلى الصلاة بالسحر ، فلمّا فرغ منها رفع يده إلى الله تعالى : اللهمّ اغفر لي حزني على يوسف وقلّة صبري عنه ، واغفر لولدي ما أتوا على يوسف ، فأوحى الله إليه : إنّي قد غفرت لك ولهم أجمعين.
قال محارب بن دثار : كان عمّ لي يأتي المسجد ، قال : فمررت بدار عبد الله بن مسعود فسمعته يقول : اللهمّ إنّك دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت فهذا سحر فاغفر لي. فسألته عن ذلك فقال : إنّ يعقوب أخّر استغفار بنيه إلى السحر بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي).
عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سوف أستغفر لكم ربّي ، يقول : حتى يأتي يوم (١) الجمعة» [١٢٨] (٢).
قال وهب : كان يستغفر لهم كلّ ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة ، وقال طاوس : أخّر إلى السحر من ليلة الجمعة فوافق ذلك ليلة عاشوراء.
عن أبي سلمة عن عطاء الخراساني قال : طلب الحوائج إلى الشاب أسهل منها في الشيوخ ، ألا ترى إلى قول يوسف لإخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ، وقول يعقوب عليهالسلام : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي).
أبو الحسن الملاني الشعبي : قال : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) ، قال : أسأل يوسف إن عفا عنكم استغفر لكم ربي (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) روي أنّ يعقوب عليهالسلام قال للبشير لمّا أخبره بحياة يوسف ، قال : كيف تركت يوسف؟ قال : إنّه ملك مصر ، فقال يعقوب : ما أصنع بالملك؟ على أيّ دين تركته؟ قال : على دين الإسلام. فقال يعقوب : الآن تمّت النعمة.
وقال الثوري : لمّا التقى يعقوب ويوسف عليهماالسلام عانق كلّ واحد منهما صاحبه وبكيا ، فقال يوسف : يا أبة بكيت عليّ حتى ذهب بصرك ، ألم تعلم أنّ القيامة تجمعنا؟ قال : بلى بنيّ ، ولكن خشيت أن تسلب دينك ، فيحال بيني وبينك.
__________________
(١) في المصدر : ليلة الجمعة.
(٢) سنن الترمذي : ٥ / ٢٢٤ ، تفسير الطبري : ١٣ / ٨٥.