سبحان الله تنزيها له عمّا أشركوا (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) : يا محمّد (إِلَّا رِجالاً) لا ملائكة ، (نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) يعني من أهل الأمصار دون أهل البوادي لأنّ أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا) يعني هؤلاء المشركين المنكرين لنبوّتك (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أخبر بأمر الأمم المكذّبة من قبلهم ، فيعتبروا (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) يقول جلّ ثناؤه : هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا أن ننجيهم عند نزول العذاب ، وما في دار الآخرة لهم خير ، فترك ما ذكرنا ، آنفا لدلالة الكلام عليه ، وأضيف الدار إلى الآخرة ولا خلاف لتعظيمها كقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (١) وقولهم : عام الأوّل ، وبارحة الأولى ويوم الخميس وربيع الآخر : وقال الشاعر :
ولو أقوت عليك ديار عبس |
|
عرفت الذلّ عرفان اليقين (٢) |
يعني عرفانا.
(أَفَلا يَعْقِلُونَ) يؤمنون (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) اختلف القرّاء في قوله : (كُذِبُوا)
فقرأها قوم بالتخفيف (٣) وهي قراءة علي بن أبي طالب عليهالسلام وابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي عبد الرحمن السلمي وعكرمة والضحاك وعلقمة ومسروق والنخعي وأبي جعفر المدني ومحمّد بن كعب والأعمش وعيسى بن عمر الهمداني وأبي إسحاق السبيعي وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة وعلي بن الحسين وابنه محمّد بن علي وابنه جعفر بن محمّد ، وعبد الله بن مسلم وابن يسار ، واختارها الكسائي وأبي عبيدة.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قرأ (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مخفّفة وهي قراءة عائشة و [هرقل] الأعرج ونافع والزهري وعطاء بن أبي رياح وعبد الله بن كثير وعبد الله بن الحارث وأبي رجاء والحسن.
وقتادة وأبي عمرو وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون ويعقوب ، ورويت أيضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فمن قرأ بالتخفيف ، فمعناه : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبتهم في وجود العذاب.
وروى الخبر عن شعيب بن الحجاج عن إبراهيم عن أبي حمزة الجزري : قال صنعت طعاما فدعوت ناسا من أصحابنا منهم : سعيد بن جبير وأرسلت إلى الضحّاك بن مزاحم فأبى أن
__________________
(١) سورة الواقعة : ٩٥.
(٢) تفسير الطبري : ١٣ / ١٠٦.
(٣) راجع تفسير القرطبي : ٩ / ٢٧٥ ، وزاد المسير ، تجد اختلاف في الأسماء فتأمّل.