يجيئني فأتيته فلم أدعه حتى جاء ، قال : فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف فإنّي إذا أتيت عليه تمنّيت إنّي لا أقرأ هذه السورة : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قال : نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّ المرسل إليهم أنّ الرسل كذّبوهم.
قال : فقال الضحّاك : ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكّأ ، لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا (١).
وقال بعضهم : معنى الآية على هذه القراءة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من إيمان قومهم وظنّت الرسل (أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) فيما وجدوا من النصرة. وهذه رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : كانوا دعوا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنّهم أخلفوا ثمّ قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) الآية ، ومن قرأ بالتشديد فمعناها ، (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من قومهم أن يؤمنوا بهم وظنّت الرسل أي استيقنت أنّ أممهم قد كذبوهم (جاءَهُمْ نَصْرُنا) ، وعلى هذا التأويل يكون الظنّ بمعنى العلم واليقين كقول الشاعر :
فقلت لهم ظنوا بألفي متلبب (٢) |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرد (٣) |
أي أيقنوا.
وهذا معنى قول قتادة ، وقال بعضهم : معنى الآية على هذه القراءة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) ممّن كذّبهم من قومهم أن يصدّقونهم ، وظنّت الرسل أنّ من قد آمن بهم وصدّقوهم قد كذّبوهم فارتدوا عن دينهم لاستبطائهم النصر (جاءَهُمْ نَصْرُنا) وهذا معنى قول عائشة.
وقرأ مجاهد كذبوا بفتح الكاف والذال مخفّفة ولها تأويلان : أحدهما : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أن يعذب قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا ، والثاني : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من إيمان قومهم وظنّت الرسل أنّ قومهم قد كذبوا على الله بكفرهم ، ويكون معنى الظنّ اليقين على هذا التأويل ، والله أعلم.
(فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) عند نزول العذاب وهم المطيعون والمؤمنون (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يعني المشركين ، واختلف القرّاء في قوله فنجّي فقرأها عامّة القراء فننجّي بنونين على معنى فنحن نفعل بهم ذلك ، فأدغم الكسائي أحد النونين في الأخرى فقرأ : (فَنُجِّيَ) بنون واحدة وتشديد الجيم ، وقرأ عاصم بضمّ النون وتشديد الجيم وفتح الياء على مذهب ما لم
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥١٦ ، والدرّ المنثور : ٤ / ٤١.
(٢) في المصدر : [محجج].
(٣) لسان العرب : ١٣ / ٢٧٢ ، تفسير الطبري : ٢٥ / ١٧٩.