وأما النصارى [فقيل] : إنّهم كانوا على [دين واحد] سنة بعد ما رفع عيسى ، يصلّون القبلة ويصومون رمضان ، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب ، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له : يونس قتل جماعة من أصحاب عيسى عليهالسلام ، ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى فكفرنا وجحدنا والنار مصيرنا ، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار ، إني احتال فأضلّهم حتى يدخلوا النار ، وكان لها فرس يقال له : العقاب يقاتل عليها فغرقت فرسه وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب.
فقال له النصارى : من أنت؟ قال يونس : عدوكم [سمعت] (١) من السماء : ليس لك توبة إلا أن تتنصّر وقد تبت ، فأدخلوه الكنيسة ودخل بيتا سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلم الإنجيل ثم خرج وقال [لهم] (٢) إن الله قبل توبتك ، فصدّقوه وأحبوه ثم مضى إلى بيت المقدس ، واستخلف عليهم نسطور وعلّمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة ، ثم توجه إلى الروم وعلّمهم اللاهوت والناسوت وقال : لم يكن عيسى بإنس فتأنّس ولا بجسم فتجسّم ولكنّه ابن الله ، وعلّم ذلك رجلا يقال له : يعقوب.
ثم دعا رجلا يقال له : ملكا وقال له : إن الله لم يزل ولا يزال عيسى رضياللهعنه ، فلمّا استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا ، وقال لكل واحد منهم : أنت خليفتي ، ولقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني ، وقال لكل واحد منهم : إني غدا أذبح نفسي فادع الناس للمذبحة ، ثم دخل المذبحة فذبح نفسه ، وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى ، فلمّا كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى [نحلته] فتبع كل واحد طائفة من الناس واقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا ، فجميع النصارى من الفرق الثلاث.
(ذلِكَ) يعني قول النصارى : إن المسيح ابن الله (قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) يقولون بألسنتهم من غير علم.
قال أهل المعاني : إن الله عزوجل لا يذكر قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان ذلك القول زورا كقوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ، و (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ، وقوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ... يُضاهِؤُنَ) قال ابن عباس : يشبهون وعنه أيضا : يحكون ، وقال مجاهد : يواطئون.
وقال ذي نون : وفيه لفظان (يُضاهِؤُنَ) بالهمزة وهي قراءة عاصم ، ويضاهون بغير همزة وهي قراءة العامة ، يقال : ضاهيته وضاهأته بمعنى واحد (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) قال قتادة
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) كلمة غير واضحة في المخطوط والظاهر ما أثبتناه.