والسدي : ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقال النصارى : المسيح ابن الله كما قال اليهود : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ، وقال مجاهد : يضاهئون قول المشركين حين قالوا اللات والعزى ومناة بنات الله ، وقال الحسن : شبّه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة ، وقال لمشركي العرب حين حكى عنهم ، (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) ، ثم قال : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) وقال القتيبي : يريد إن من كان في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قال أوّلوهم.
(قاتَلَهُمُ اللهُ) قال ابن عباس : لعنهم الله ، وكل شيء في القرآن قتل هو لعن ، ومثله قال أبان بن تغلب :
قاتلها الله تلحاني وقد علمت |
|
أني لنفسي إفسادي وإصلاحي (١) |
وقال ابن جريج : (قاتَلَهُمُ اللهُ) وهو بمعنى التعجب (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي يكذبون ، ويصرفون عن الحق بعد قيام الدلالة عليه (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ) قال الضحاك : علماءهم ، وقرأ : رهبان ، وأحبار العلماء : واحدهم حبر وحبر بكسر الحاء وفتحها والكسر أجود ، وكان يونس الجرمي يزعم أنه لم يسمع فيه إلا بكسر الحاء ، ويحتج فيه بقول الناس : هذا محبر يريدون مداد عالم ، والرهبان من النصارى أصحاب الصوامع وأهل الأصفاد في دينهم ، يقال : راهب ورهبان مثل فارس وفرسان ، وأصله من الرّهبة وهي الخوف كأنهم يخافون الله (أَرْباباً) سادة (مِنْ دُونِ اللهِ) يطيعونهم في معاصي الله.
مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال : يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ، قال : فطرحته ثم انتصب وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) حتى فرغ منها فقلت له : إنّا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرّمون حلال الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ، قال : فقلت : بلى (٢).
قال أبو الأحوص : عن عطاء بن أبي البختري في قول الله عزوجل : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) قال : أما [لو أمروهم] أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكنّهم أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه ، وحرامه حلاله فأطاعوهم ، فكانت تلك الربوبية (٣).
وقال الربيع : قلت لأبي العالية كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟ قال : إنهم
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٨ / ١١٩.
(٢) المعجم الكبير للطبراني : ١٧ / ٩٢.
(٣) الأحكام لابن حزم : ٦ / ٨٨٣.