روى أبو موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان يوم القيامة واجتمع أهل النار في النار ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة. قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم شيئا؟ وقد صرتم معنا في النار. قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فغضب الله لهم بفضل رحمته فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار يخرجون منها فحينئذ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)» [١٧٤] (١) وقرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : ما يزال الله يدخل الجنة ويرحم ويشفع حتى يقول لمن كان من المسلمين : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) فحينئذ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ) يا محمد يعني الذين كفروا (يَأْكُلُوا) في الدنيا (وَيَتَمَتَّعُوا) من لذاتها (وَيُلْهِهِمُ) ويشغلهم (الْأَمَلُ) عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) بما وردوا القيامة ونالوا وبال ما صنعوا فنسختها آية القتال (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أجل مؤقت قد كتبناها لهم لا يعذبهم ولا يهلكهم حتى يلقوه (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ) من ملة (أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) ونظيرها (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٢) (وَقالُوا) يعني مشركي مكة (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) يعني القرآن وهو محمد صلىاللهعليهوسلم (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما) هلّا (تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) شاهدين لك على صدق ما تقول (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
قال الكسائي : لولا ولو ما سواء في الخبر والاستفهام.
ومنه قول ابن مقبل :
لوما الحياء ولوما الدين عبتكما |
|
ببعض ما فيكما إذا عبتما عودي (٣) |
يريد لولا الحياء (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ).
قرأ أهل الكوفة : (نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بضم النون ورفع اللام ، (الْمَلائِكَةَ) نصبا ، واختاره أبو عبيد.
وقرأ الباقون : بفتح التاء ورفع اللام في الْمَلائِكَةُ رفعها ، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ).
(إِلَّا بِالْحَقِ) بالعذاب ولو نزلت (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من الباطل ومن الشياطين وغيرهم أن يزيدوا فيه وينقصوا منه ويبدلوا حرفا ، نظيره قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (٤) الآية.
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ١٤ / ٥ ، بتفاوت يسير.
(٢) سورة الأعراف : ٣٤.
(٣) تفسير الطبري : ١٤ / ١٠.
(٤) سورة فصّلت : ٤٢.