قال ابن مسعود : وما من أرض أمطر من أرض ، وما عام أمطر من عام ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء عاما هاهنا وعاما هاهنا ثم قرأ هذه الآية.
وروى إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في هذه الآية : ما من عام بأكثر مطرا من عام ولكن يمطر قوم ويحرم آخرون وربما كان في البحار والقفار قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث يقع وما ينبت.
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : «في العرش مثال كل شيء خلقه الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ)» [١٧٦] (١).
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦))(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))
(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله : (لَواقِحَ) ، وقرأ بعض أهل الكوفة : الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضا وإن كان لفظها لفظ الواحد ، لأنه يقال : جاءت الريح من كل جانب ، وهو مثل قوله : أرض سباسب وثوب أخلاق ، وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع ، وقول العلماء في وجه وصف الرياح : باللقح ، وإنما هي ملقّحة لأنها تلقح السحاب والشجر.
فقال قوم : معناها حوامل ؛ لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد ، ويشهد على هذا قوله : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) فجعلها عقيما إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير ، فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال : يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر.
قال الطرماح :
لأفنان الرياح للاقح |
|
قال منها وحائل (٢) |
وقال الفراء : أراد ذات لقح. كقول العرب : رجل نابل ورامح وتامر.
قال أبو عبيدة : أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث «أعوذ بالله من كل لامّة» أي ملمّة.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٠ / ١٥.
(٢) انظر : زاد المسير : ٤ / ٢٨٨.