بعض الكنوز ، ومنه يقال : حميت الحديدة في النار (فَتُكْوى) فتحرق (بِها جِباهُهُمْ) جباه كانزيها (وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ).
قال عبد الله بن مسعود : والذي لا إله غيره ما من رجل يكوى ، يكنز موضع دينار على دينار ودرهم على درهم ، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على خدّيه.
وسئل أبو بكر الوراق : لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ فقال : لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير انقبض ، فإذا ضمّه وإياه مجلس ازورّ عنه وولّى ظهره عليه ، وقال محمد بن علي الترمذي : ذلك لأنّه يبذخ ويستكبر بماله ويقع على كنزه بجنبيه ويتساند إليه.
وقال الأحنف بن قيس : قدمت المدينة ، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب ، خشن الجسد ، خشن الوجه فقام عليهم ، فقال : بشّر الكنّازين برضف (١) يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدييه ، ويزلزل ويكوي الجباه والجنوب والظهور حتى تلتقي الحمة في أجوافهم.
قال : فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا ، قال : فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم ، فقال : إن هؤلاء لا يعقلون شيئا (٢).
(هذا) أي يقال لهم : هذا (ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) كقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي تجحدون حقوق الله في أموالكم وتمنعونها.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، وفيمن نزلت منهم ، فروى ابن شهاب عن خالد بن زيد بن أسلم عن ابن عمر وسئل عن قوله تعالى (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) فقال ابن عمر : إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلمّا نزلت جعلها الله تطهير الأموال.
مجاهد عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين ، وقالوا : ما يستطيع أحد منا يبقي لولده ما لا يبقي بعده ، فقال عمر رضياللهعنه : أنا أفرّج عنكم فانطلقوا ، وانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا نبي الله إنّه قد كبر على أصحابك هذه فقال : «إن الله عزوجل لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث في أموال
__________________
(١) الرضف : حجارة على وجه الأرض قد حميت (لسان العرب : ٩ / ١٢١)
(٢) جامع البيان للطبري : ١٠ / ١٦٠. صحيح ابن حبّان : ٨ / ٥١.