وكيف يأخذان وقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مرّا بثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما».
فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرءا له كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان ابله ، فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلمّا زادها قالا : ما هذا عليك ، قال : خذاه فإن نفسي بذلك طيبة ، فمرّا على الناس وأخذا الصدقات ، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال : أروني كتابكما فقرأه ثم قال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه الا أخت الجزية ، اذهبا حتى أرى رأيي ، قال : فأقبلا فلمّا رآهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يتكلّما قال : «يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة» ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله فيه (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) إلى قوله (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) وعند رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع قوله فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله عزوجل فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة.
فقال : «إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك» فجعل يحثي على رأسه التراب ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني» [٣٣] فلما نهى أن يقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقبض ولم يقبل منه شيئا ثم أتى أبا بكر رضياللهعنه حين استخلف فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا أقبلها؟ فلم يقبل ، وقبض أبو بكر فلم يقبلها ، فلمّا ولي عمر رضياللهعنه أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها منك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا أبو بكر ، أنا لا أقبلها ، فقبض عمر ولم يقبلها ، ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال : لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ، أنا لا أقبلها منك ، فلم يقبلها منه وهلك في خلافة عثمان (١).
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة : أتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال : لئن آتاني الله من فضله أتيت منه كل ذي حق حقه ، وتصدّقت منه ، ووصلت القرابة ، فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يوف بما قال ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
وقال مقاتل : مرّ ثعلبة على الأنصار وهو محتاج ، فقال : لئن آتاني الله من فضله لأصّدقن ولأكوننّ من الصالحين فآتاه الله من فضله وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلا من المنافقين خطأ فدفع النبي صلىاللهعليهوسلم ديته إلى ثعلبة ، وكان قرابة المقتول فبخل ومنع حق الله فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
__________________
(١) بطوله في تفسير الطبري : ١٠ / ٢٤٢ ، واسد الغابة : ١ / ٢٣٨.