يكفنه في قميصه ويصلي عليه ، فلما مات عبد الله بن أبي انطلق ابنه إلى النبي عليهالسلام ودعاه إلى جنازة أبيه فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : ما اسمك؟ قال : الحباب بن عبد الله فقال صلىاللهعليهوسلم : «أنت عبد الله بن عبد الله ، فإنّ الحباب هو الشيطان» [٤٤] (١). ثم انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما قام قال له عمر بن الخطاب رضياللهعنه : يا رسول الله تصلي على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا وكذا ، وجعل يعد أيامه ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يبتسم حتى إذا أكثر عليه قال : عني يا عمر إنما خيرني الله فاخترت ، قيل لي (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) هو أعلم فإن زدت على السبعين غفر له؟؟ ثم شهّده وكفّنه في قميصه ونفث في جنازته (٢) ودلاه في قبره.
قال عمر رضياللهعنه : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فما لبث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا يسيرا حتى نزلت (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أي لا تصلي على قبره بمحل لا تتولّ دفنه : من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره.
(إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) فما صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض ، وعيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه» [٤٥] (٣).
قال الزجاج : فأسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستغفار بثوب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكروا أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أسرّ إلى حذيفة أثني عشر رجلا من المنافقين فقال ستة يكفيهم الله بألف مائة شهاب (٤) من نار تأخذ كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتا. فسأل عمر حذيفة عنهم فقال : ما أنا بمخبرك أحد منهم ما كان حيا. فقال عمر : يا حذيفة أمنهم أنا؟ قال : لا. قال : أفي أصحابي منهم أحد. فقال : رجل واحد. قال : قال : فكأنما دلّ عليهم عمر حتى نزعه من غير أن يخبره به (٥).
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها) الآية (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) الغني منهم جدّ بن قيس ومعتب بن قشير وأمثالهما (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) ورحالهم (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ)
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٩٠.
(٢) في تفسير الطبري : جلده.
(٣) تفسير الطبري : ١٠ / ٢٦٢.
(٤) في تفسير الطبري : تكفيهم الدبيلة سراج من نار ، والدبيلة الطاعون.
(٥) تفسير الطبري : ١١ / ١٦.