[٤٣] فأنزل الله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فأبى الله أن يغفر لهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) عن غزوة تبوك (بِمَقْعَدِهِمْ) بقعودهم (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) قال قطرب والمؤرخ : يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا ، وقال أبو عبيدة : يعني بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأنشد الحرث بن خالد :
عقب الربيع خلافهم فكأنما |
|
بسط الشواطب بينهن حصيرا (١) |
أي بعدهم ، ويدل على هذا التأويل قراءة عمرو بن ميمون : خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) وكانت غزوة تبوك في شدة الحر (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) يعلمون ذلك ، هو في مصحف عبد الله (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) في الدنيا (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) قال أبو موسى الأشعري : إن أهل النار ليبكون الدموع في النار حتى لو أجريت السفن من دموعهم لجرت ، ثمّ إنهم ليبكون الدم بعد الدموع ولمثل ما هم فيه فليبكي.
وقال ابن عباس : إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.
شعبة عن قتادة عن أنس قال : قال أنس : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا كثيرا (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) رجعك الله من غزوة تبوك (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) يعني من المخلّفين فإنما قال طائفة منهم لأنه ليس كل من تخلّف عن تبوك كان منافقا (فَاسْتَأْذَنُوكَ) في أن يكونوا في غزاة أخرى (فَقُلْ) لهم (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) عقوبة لهم على تخلّفهم (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بمعنى تخلّفوا عن غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) قال ابن عباس : الرجال الذين تخلفوا بغير عذر.
الضحاك : النساء والصبيان والمرضى والزمنى ، وقيل : (مَعَ الْخالِفِينَ). قال الفراء : يقال : عبد خالف وتخالف إذ كان مخالفا ، وقيل : [ضعفاء] الناس ويقال : خلاف أهله إذ كان ذويهم ، وقيل مع أهل الفساد من قولهم : خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا إذ فسد ، ونبيذ خالف أي فاسد [من قولك] : خلف اللبن خلوفا إذا حمض من طول وضعه في السقاء ، وخلف فم الصائم إذا تغيّرت ريحه ، ومنه خلف سوء ، وقرأ مالك بن دينار : مع المخالفين.
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) قال المفسرون ـ بروايات مختلفة : بعث عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مريض فلما دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : أهلكك يهود ، فقال : يا رسول الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله أن
__________________
(١) لسان العرب : ٩ / ٨٦.