وهي سنة ثمان من الهجرة ، ثم لما خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا الأراجيف جعل المشركون ينقضون عهودهم ، وأمره الله بإلقاء عهودهم إليهم ليأذنوا بالحرب ، وذلك قوله تعالى (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) الآية.
فلمّا كانت سنة تسع أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحج فقال : إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة ولم [........] (١) أن حج حتى لا يكون ذلك ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر رضياللهعنه تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج وبعث معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا صلىاللهعليهوسلم عليا فقال : «اخرج بهذه القصة من صدر براءة فأذّن بذلك في الناس إذا اجتمعوا».
فخرج علي رضياللهعنه على ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجدعاء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه فرجع أبا بكر رضياللهعنه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل بشأني شيء؟
قال : «لا ولكن لا يبلّغ عني غيري أو رجل مني ، أما ترضى يا أبا بكر أنّك كنت معي في الغار وأنّك صاحبي على الحوض» [٢] (٢). قال : بلى يا رسول الله ، وذلك أن العرب جرت عادتها في عقد عهودها ونقضها أن يتولى ذلك عن القبيلة رجل منهم فبعث النبي صلىاللهعليهوسلم عليا لئلا ، يقولوا : هذا خلاف ما نعرفه في بعض العهود.
قال جابر : كنت مع علي رضياللهعنه حتى أتبعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر ، فلمّا كنا [بالعرج ثوب] بصلاة الصبح ، فلمّا استوى أبو بكر ليكبّر سمع الرغاء فوقف وقال : هذه رغاء ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجدعاء ، لقد بدا لرسول الله في الحج ، فإذا عليها عليّ ، فقال أبو بكر أمير أم مأمور؟
قال : بل ارسلني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببراءة أقرأها على الناس ، فكان أبو بكر أميرا على الحج وعليا ليؤذن ببراءة ، فقدما مكة ، فلمّا كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس وحدثهم عن مناسكهم وأقام للناس بالحج ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على مناسكهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحج ، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضياللهعنه فأذّن في الناس بالحج بالذي أمره به ، وقرأ عليهم سورة براءة (٣).
قال الشعبي : حدّثني محمد بن أبي هريرة عن أبيه قال : كنت مع علي رضياللهعنه حين بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم ينادي ، وكان إذا [ضحل] (٤) صوته ناديت قلت : بأيّ شيء كنتم تنادون؟ قال : بأربع لا يطف بالكعبة عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد فعهده إلى مدّته ، ولا تدخل الجنة إلا
__________________
(١) كلام مطموس في الأصل.
(٢) زاد المسير لابن الجوزي : ٣ / ٢٦٦.
(٣) سنن الدارمي : ٢ / ٦٧ ، سنن الترمذي : ٤ / ٣٣٩.
(٤) الضحل : الماء القليل على وجه الأرض لا عمق له وفي بعض المصادر : اضمحل.