الوفاء ببيعة الله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، واختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية.
فروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أي عم إنك أعظم الناس عليّ حقا وأحسنهم عندي [قولا] ولأنت أعظم عليّ حقا من والدي فقل كلمة تجب لك بها شفاعتي يوم القيامة. قل : لا إله إلا الله احاجّ لك بها عند الله».
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء تكلم به : أنا على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفر لك يا عم الله» [٦٢] فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، ونزلت (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١) الآية (٢).
قال الحسن بن الفضل : وهذا بعيد لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن ، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي صلىاللهعليهوسلم بمكة.
وقال عمرو بن دينار : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى نهاني عنه ربي. فقال أصحابه : لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي صلىاللهعليهوسلم لعمّه. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).
وروى جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعب [قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون] (٤) قال : بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه الذي قبض فيه ، قالت قريش له : يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجنّة فيكون لك شفاء ، فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبو بكر معه جالس فقال زيد : إنّ عمك يقول لك يا ابن أخي إني كبير وشيخ ضعيف فادعوا إليّ من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيء يكون لي فيه شفاء.
__________________
(١) سورة القصص : ٥٦.
(٢) المستدرك ٢ / ٣٣٦.
(٣) قال ابن حجر في فتح الباري : «وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا ، وقد ثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى قبر امه لما اعتمر فاستأذن ربّه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية ، والأصل عدم تكرار النزول» ثم ذكر عدة روايات في ذلك من طرق مختلفة إلى أن قال : «فهذه طرق يعضد بعضها بعضا وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب ، .. ، ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلىاللهعليهوسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك ...» انتهى كلامه (فتح الباري : ٨ / ٣٩١ ، تفسير سورة القصص ح ٤٤٩٤.
(٤) زيادة عن أسباب النزول للواحدي : ١٧٧.