فقال أبو بكر : إن الله حرّمها على الكافرين. قال : فرجع إليهم الرسول فقال : بلغت محمّدا الذي أرسلتموني به فلم يحر إليّ شيئا فقال أبو بكر : إن الله حرمها على الكافرين قال : فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولا من عنده فوجد الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «(إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) طعامها وشرابها» ، ثم قام في أثره حتى دخل معه البيت فوجده مملوءا رجالا فقال : «خلوّا بيني وبين عمي» ، فقالوا : ما نحن بفاعلين وما أنت أحق به منا إن كانت لك قرابة فإن لنا قرابة مثل قرابتك فجلس إليه فقال : «يا عم جزيت عني خيرا كفلتني صغيرا وحفظتني كبيرا فجزيت عني خيرا. يا عماه أعنّي على نفسك بكلمة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة ، قال : وما هي يا ابن أخي؟
قال : قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له». قال : إنك لي لناصح ، والله لولا أن تعيّر بها بعدي يقال جزع عمك عند الموت لأقررت بها عينك ، قال : فصاح القوم : يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الأشياخ لا تحدث نساء قريش أني جزعت عند الموت. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردّني فاستغفر له بعد ما مات» [٦٣].
فقال المسلمون : ما منعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قرابتنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه وهذا محمد يستغفر لعمه فاستغفروا للمشركين فنزلت هذه الآية.
والدليل ـ على ما قيل ـ أن أبا طالب مات كافرا (١) ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال أخبرنا المزني. قال : حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعد بن منصور حدثنا أبو الأحوص أخبرنا أبو إسحاق قال : قال علي عليهالسلام لما مات أبو طالب : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله إن عمك .... (٢) ... قال : اذهب فادفنه ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني ، فانطلقت فواريته ثم رجعت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وعليّ أثر التراب فدعا لي بدعوات ما يسرني أنّ لي بها ما على الأرض من شيء.
وقال أبو هريرة وبريدة : لما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم مكة أتى قبر أمّه آمنة فوقف عليه حتى حميت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، فقام وبكى وبكى من حوله فقال : «إني استأذنت ربي أن أزورها فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت» [٦٤] ، فلم نر باكيا أكثر من يومئذ.
__________________
(١) روى ابن إسحاق وابن عساكر وغيرهما سماع العباس عمّ النبي الشهادة : (لا إله إلا الله) من أبي طالب ، راجع تاريخ دمشق : ٧٠ / ٢٤٥ ط. دار إحياء التراث ، وسيرة ابن إسحاق : ٢٣٨ ، والمواهب اللدنية : ١ / ١٣٣ ، وتاريخ الخميس : ١ / ٣٠٠.
(٢) وذكر كلمة قبيحة على ما قيل ، وعلي عليهالسلام أجل من أن يصدر منه هذا الكلام في حق شخص عادي فكيف تجاه أبيه.