علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : كانوا يستغفرون لأمواتهم المشركين فنزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار فنهاهم ولم ينتهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ، وقال قتادة : قال رجال من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم ألا نستغفر لهم؟
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بلى ، وأنا والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه» [٦٥] ، فأنزل الله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِ) أي ما ينبغي للنبي (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
وقال أهل المعاني : ما كان في القرآن على وجهين أحدهما بمعنى النفي كقوله تعالى : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (١) (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٢) والأخرى بمعنى النهي كقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٣) ، وقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) نهي.
(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) بموتهم على الكفر ، وتأوّل بعضهم الاستغفار في هذه الآية على الصلاة. قال عطاء بن أبي رباح : ما كنت أدع الصلاة على أحد من أهل هذه القبلة ، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلّا عن المشركين (٤) كقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا) الآية ، ثم عذر خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) الآية.
قال علي بن أبي طالب رضياللهعنه : أنزل الله قوله تعالى خبرا عن إبراهيم صلىاللهعليهوسلم قال : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (٥). [قال علي :] سمعت فلانا يستغفر لوالديه وهما مشركان فقلت له : أتستغفر لهما مشركان ، قال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فرويت ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية (٦)، وأنزل قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) إلى قوله (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) (٧) وقوله : (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) يعني بعد موعده.
وقال بعضهم : الهاء في إيّاه عائدة إلى إبراهيم ، وذلك إن أباه وعده أن يسلم فعند ذلك
__________________
(١) سورة النمل : ٦٠.
(٢) سورة آل عمران : ١٤٥.
(٣) سورة الأحزاب : ٥٣.
(٤) تفسير الطبري : ١١ / ٦١.
(٥) سورة مريم : ٤٧.
(٦) تفسير الطبري : ١١ / ٦٠.
(٧) سورة الممتحنة : ٤.