وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن ممن يبعث لنا فيهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولا كما تقول.
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بيني وبينكم» [٥٥] (١).
قالوا : فإن لم تفعل هذا فخذ لنفسك فسل ربك أن يبعث ملكا يصدقك وسله فيجعل لك تيجان وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك فإذن نراك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه.
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «[ما أنا بفاعل] ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني (بَشِيراً وَنَذِيراً)» [٥٦].
قالوا : فأسقط السماء [عَلَيْنا كِسَفاً] كما زعمت أن ربك [إن] شاء فعل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك» [٥٧].
قالوا : قد بلغنا إنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن ، وإنّا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمّد أما والله لا نتركك وما بلغت منا حتّى نهلكك أو تهلكنا.
وقال قائل منهم لن نؤمن لك حتّى تأتينا (بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً).
فلما قالوا ذلك قام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن محروم وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال له : يا محمّد عرض عليك ما عرضوا فلم تقبل منهم ثمّ سألوك لأنفسهم أمرا فليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك ، ثمّ سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل ، فوالله لا أومن بك أبدا حتّى تتخذ إلى السماء سلما ثمّ ترقى فيه وأنا أنظر حتّى تأتيها وتأتي بنسخة مصورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت ألّا أصدقك ، ثمّ انصرف وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقال : أبو جهل ، حين قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا معشر قريش إن محمّد قد أتى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آلهتنا وسفه أحلامنا وسبّ آباءنا فإني أعاهد الله لأجلسنّ له عند الحجر قدر ما أطيق حمله وإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه.
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٥ / ٢٠٦ ، وتفسير الدر المنثور : ٤ / ٢٠٢.