له : قتل صاحب الحمام ابنك. فالتمس فلم يقدر عليه ، فهرب ، فقال : من كان يصحبه؟ فسمّوا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة ، فمرّوا بصاحب لهم في زرع وهو على مثل إيمانهم فذكروا له أنهم التمسوا ، فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا وقالوا : نبيت هاهنا الليلة ، ثمّ نصبح إن شاء الله فترون رأيكم. فضرب الله (عَلَى آذانِهِمْ).
فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، وكلّما أراد الرجل منهم دخوله أرعب ، فلم يطق أحد دخوله ، وقال قائل : أليس لو قدرت عليهم قتلتهم؟ قال : بلى. قال : فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتوا عطشا وجوعا. ففعل.
قال وهب : تركهم بعد ما سدّ عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ، ثمّ إنّ راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال : لو فتحت هذا الكهف فأدخلته غنمي من المطر! فلم يزل يعالجه حتى فتح ، وردّ الله إليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا.
وقال محمد بن إسحاق : ثمّ ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تيدوسيس ، فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وثلاثين سنة فتحزب الناس في ملكه ، وكانوا أحزابا ؛ منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ، ومنهم من يكذّب بها ، فكبر ذلك على الملك الصالح ، وبكى إلى الله عزوجل ، وتضرّع إليه ، وحزن حزنا شديدا. فلما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون : لا حياة إلّا الحياة الدنيا ، وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد فأما الجسد فتأكله الأرض. ونسوا ما في الكتاب ، فجعل تيدوسيس يرسل إلى من يظن فيه خيرا وأنه معه في الحق ، فجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا يحولون الناس عن الحقّ وملّة الحواريين.
فلما رأى ذلك الملك الصالح تيدوسيس دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا ثمّ جلس عليه فدأب ليله ونهاره زمانا يتضرع إلى الله ويبكي مما يرى فيه الناس ، ويقول : أي رب ، قد ترى اختلاف هؤلاء الناس ، فابعث إليهم من يبين لهم. ثمّ إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية له وحجة عليهم ، وليعلموا (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) ، وأن يستجيب لعبده الصالح تيدوسيس ويتم نعمته عليه ، ولا ينزع عنه ملكه ولا الإيمان الذي أعطاه ، وأن يعبد الله ولا يشرك به شيئا ، وأن يجمع من كان ببلده من المؤمنين.
فألقى الله عزوجل في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف ـ وكان اسم ذلك الرجل أولياس ـ أن يهدم ذلك البنيان الّذي على فم الكهف ، فيبني به حظيرة لغنمه ، فاستأجر عاملين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان بها تلك الحظيرة حتى نزعا ما على فم الكهف ، وفتحا عليهم باب الكهف ، فحجبهم الله تعالى من الناس بالرعب. فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم أن يدخل من باب الكهف لم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف ، نائما.