يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم خبرهم حين يقرأ هذا الكتاب. ففعلا ، ثمّ بنيا عليه ، فبقي دقيانوس ما بقي ، ثمّ مات وقومه وقرون بعد كثيرة ، وخلفت الملوك بعد الملوك.
وقال عبيد بن عمير : كان أصحاب الكهف فتيانا مطوّقين مسوّرين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب صيدهم ، فخرجوا في عيد لهم عظيم في زيّ وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها من دون الله ، وقد قذف الله في قلوب الفتية الإيمان ـ وكان أحدهم وزير الملك ـ فآمنوا ، وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن صاحبه فقالوا في أنفسهم من غير أن يظهر بعضهم لبعض : نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم ، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ، ثمّ خرج آخر فرآه جالسا وحده ، فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر ذلك ، فجلس إليه ثمّ خرج الآخرون فجاؤوا فجلسوا إليهما ، فاجتمعوا وقال بعضهم لبعض : ما جمعكم ، وكل واحد يكتم إيمانه على صاحبه مخافة على نفسه؟ ثمّ قالوا : ليخرج كل فتيين منكم فيخلوا ثمّ ليفش كل واحد منكم إلى صاحبه.
فخرج فتيان منهم فتواقفا ثمّ تكلّما فذكر كل واحد منهما أمره لصاحبه ، فأقبلا مستبشرين إلى أصحابهما فقالا : قد اتفقنا على أمر واحد. فإذا هم جميعا على الإيمان ، وإذا كهف في الجبل قريب منهم ، فقال بعضهم لبعض : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً). فدخلوا ومعهم كلب صيد ، فناموا (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً).
قال : وفقدهم قومهم ، وطلبوهم فعمّى الله عليهم آثارهم وكهفهم ، فلما لم يقدموا كتب أحدهم في لوح : فلان وفلان أبناء ملوكنا ، فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان بن فلان. ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا : ليكوننّ لهذا شأن. ومات ذلك الملك ، وجاء قرن بعد قرن.
وقال وهب بن منبّه : جاء أحد حواريّ عيسى بن مريم عليهالسلام الى مدينة أصحاب الكهف ، فأراد أن يدخلها ، فقيل له : إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلّا سجد له. فكره أن يدخلها فأتى حمّاما قريبا من تلك المدينة ، فكان فيه ، وكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه.
ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة ، ودرّ عليه الرزق ، وجعل يقوم عليه ، وعلقه فتية من أهل المدينة ، فجعل يخبرهم خبر السماء وخبر الأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدّقوه ، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة. وكان شرطه على صاحب الحمام : إن الليل لي لا يحول بيني وبين الصلاة أحد ، وكان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام ، فعيّره الحواري وقال له : أنت ابن الملك وتدخل مع هذه؟ فاستحيا ، فذهب ، فرجع مرّة أخرى فقال له مثل ذلك ، فسبّه وانتهره ولم يلتفت حتى دخلا معا فماتا جميعا في الحمام ، فأتي الملك فقيل