(فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أي قوت وطعام ، (وَلْيَتَلَطَّفْ) : وليترفق في الشراء ، وفي طريقه ، وفي دخول المدينة ، (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) من الناس ، أي ولا يعلمن ، أي إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما يقع فيه.
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) فيعلموا بمكانكم (يَرْجُمُوكُمْ) ، قال ابن جريج : يشتموكم ويؤذوكم بالقول. ويقال : يقتلوكم. ويقال : كان من عادتهم القتل بالرجم وهو من أخبث القتل.
وقيل : هو التوبيخ (١). ويضربوكم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) : دينهم الكفر (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) إن عدتم إليهم.
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا) ، أي أطلعنا (عَلَيْهِمْ) ، يقال : عثرت على الشيء إذا اطّلعت عليهم ، فأعثرت غيري إذا أطلعته ، (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يعني قوم تيدوسيس ، (وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ، قال ابن عباس : تنازعوا في البنيان والمسجد ، قال المسلمون : نبني عليهم مسجدا ، لأنهم على ديننا ، وقال المشركون : نبني عليهم بنيانا ؛ لأنهم من أهل سنّتنا. وقال عكرمة : تنازعوا في الأرواح والأجساد ، فقال المسلمون : البعث للأرواح والأجساد ، وقال بعضهم : البعث للأرواح دون الأجساد ، فبعثهم الله من رقادهم وأراهم أن البعث للأرواح والأجساد. وقيل : تنازعوا في قدر لبثهم ومكثهم. وقيل : تنازعوا في عددهم ، (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) يعني تيدوسيس الملك وأصحابه : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ، وقيل : الذين تغلبوا على أمرهم ، وهم المؤمنون. وهذا يرجع إلى الأوّل.
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) وذلك أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وكان السيد يعقوبيا ، وقال العاقب : كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وكان نسطوريّا ، وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، فحقق الله قول المسلمين وصدّقهم بعد ما حكى قول النصارى ، فقال (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ)
أي قذفا بالظنّ من غير يقين ، كقول الشاعر :
وأجعل منّي الحقّ غيبا مرجّما (٢)
(وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وقال بعضهم : هذه الواو واو الثمانية ، إن العرب يقولون : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العقد كان عندهم سبعة
__________________
(١) قوله : وهو أخبث القتل و، من نسخة اخرى.
(٢) جامع البيان للطبري : ١٥ / ٢٨٢.