(وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) : خوفا ، وقرأ أهل المدينة : (لملّئت) بالتشديد. وقيل : إنما ذلك من وحشة المكان الذي هم فيه. وقال الكلبي : لأن أعينهم مفتّحة ـ كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم ـ وهم نيام. وقيل : إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلّا يراهم أحد. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم! قال ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله من هو خير منك ، قال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً). فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم. فبعث ناسا فقال : اذهبوا فانظروا. ففعلوا ، فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عزوجل عليهم ريحا فأخرجتهم فلم يستطيعوا الاطلاع عليهم من الرعب.
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي كما أنمناهم في الكهف ، ومنعنا من الوصول إليهم ، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان ، وثيابهم من العفن على مرّ الأيّام بقدرتنا ، (كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) من النّومة التي تشبه الموت (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) : ليتحدّثوا ، ويسأل بعضهم بعضا. (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) يعني : رئيسهم مكسلمينا : (كَمْ لَبِثْتُمْ) في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول نومهم. ويقال : إنه راعهم ما فاتهم من الصلاة ، فقالوا ذلك. (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً) ؛ لأنهم دخلوا الكهف غدوة ، فلما رأوا الشمس قالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) توقّيا من الكذب ، وكانت قد بقيت من الشمس بقية. ويقال : كان بعد زوال الشمس. فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم تيقّنوا أن لبثهم أكثر من يوم أو بعض يوم ، فـ (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ). ويقال : إن رئيسهم لما سمع الاختلاف بينهم قال ذلك. (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) يعني : تمليخا (بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) ، والورق : الفضّة ؛ مضروبة كانت أو غير مضروبة. والدليل عليه أنّ عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتّخذ أنفا من ورق فأنتن عليه ، فأمره النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. وفيه لغات : (بِوَرْقِكُمْ) (١) وهي قراءة أبي عمرو وحمزة وخلف ، و (ورقكم) ـ بسكون الراء وإدغام القاف ـ وهي قراءة أهل مكة ، و (بِوَرِقِكُمْ) بفتح الواو وكسر الراء وهي قراءة أكثر القراء. و (ورق) مثل كبد وكبد وكلمة وكلمة.
(والمدينة) : أفسوس ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) قال ابن عباس وسعيد بن جبير : أحلّ ذبيحة ، لأن عامّتهم كانوا مجوسا ، وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم. قال الضحّاك : أطيب. وقال مقاتل بن حيّان : أجود. وقال يمان بن رئاب : أرفض. قتادة : خير. قال عكرمة : أكثر. وأصل الزكاة الزيادة والنّماء ، قال الشاعر :
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة |
|
وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب (٢) |
__________________
(١) بسكون الراء. انظر حجة القراءات : ١ / ٤١٣.
(٢) جامع البيان للطبري : ١٥ / ٢٧٩.