أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ فو الله لقد آذانا ريحهم. وقال : نحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وإن أبينا أبى الناس ، وما يمنعنا من اتّباعك إلّا هؤلاء ، فنحّ هؤلاء حتّى نتبعك ، واجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا. فأنزل الله عزوجل : (وَاصْبِرْ) : واحبس (نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) : يعبدون ربهم ويوقّرون (رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) ، أي طرفي النهار (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ، يعني : يريدون الله عزوجل لا يريدون عرضا من الدنيا. والمراد منه : الحسنة وترك الرّياء. قال قتادة : يعني : صلاة الصبح والعصر. وقال كعب الأحبار : والذي نفسي بيده إنّهم لأهل الصّلوات المكتوبة. قال قتادة : نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة ، وكانوا سبعمائة رجل فقراء لزموا مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع ، يصلّون صلاة وينتظرون أخرى. قال قتادة : فلما نزلت هذه الآية قال نبي الله صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله الذي جعل في أمّتي من أمرت أن أصبر معهم» (١) [٧٠].
(وَلا تَعْدُ عَيْناكَ) : لا تصرف ولا تجاوز عيناك (عَنْهُمْ) إلى غيرهم (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، يعني مجالسة الرؤساء والأغنياء والأشراف.
ومعنى الآية : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) ـ مريدا زينة الدنيا ـ حال خوضهم في الاستغفار لأنه حكم على النبيّ صلىاللهعليهوسلم بإرادته الدنيا. (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) أي تركنا قلبه وأنسيناه ذكرنا. قال أبو العالية : يعني : أميّة بن خلف الجمحي. وقال غيره : يعني عيينة بن حصين ، (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) ، قال قتادة والضحّاك ومجاهد : ضياعا. وقال داود : ندما. وقال حباب : هلاكا. وقال ابن زيد : مخالفا للحق. وقال مقاتل بن حيّان : سرفا. وقال الأخفش : مجاوزا للحد. وقال الفرّاء : متروكا. وقيل : باطلا. وقال أبو زيد البلخي : قدما في الشر. قال أبو عبيد : هو من قول العرب : فرس فرط إذا سبقت الخيل ، وفرط القول منّي أي سبق. وقيل : معناه ضيّع أمره وعطّل أيامه ، قالوا : ان المؤمن من يستعمل الأوقات ، ولا تستعمله الأوقات.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) ، الحق : رفع على الحكاية ، وقيل : هو رفع على خبر ابتداء مضمر معناه : (وَقُلِ) هو (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) ، يعني : ما ذكر من القرآن والإيمان وشأن محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : هو رفع على الابتداء وخبره في قوله (مِنْ رَبِّكُمْ) ، ومعنى الآية : وقل يا محمّد لهؤلاء الّذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيّها الناس ، من ربكم الحقّ ، وإليه التوفيق والخذلان ، وبيده الضلالة والهدى ، يهدي من يشاء فيؤمن ، ويضل من يشاء فيكفر (٢) ليس إليّ من ذلك شيء ، ولست (بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) لكم ، فإن شئتم فآمنوا ، وإن شئتم فاكفروا ؛ فإنكم إن كفرتم فقد أعدّ لكم ربكم على كفركم نارا أحاط بكم سرادقها ، وإن آمنتم وأطعتم فإن لكم ما وصف الله عزوجل لأهل طاعته.
__________________
(١) مسند أبي يعلى : ٢ / ٣٨٣.
(٢) في نسخة أصفهان : فليكفر. (هامش نسخة أصفعان)