وقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ليس بترخيص وتخيير ، إنما هو وعيد وتهديد ، كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ). قال ابن عباس : من شاء الله له الايمان آمن ، ومن شاء له الكفر كفر ، وهو قوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
(إِنَّا أَعْتَدْنا) : أعددنا وهيّأنا ، من العتاد ، وهو العدّة (لِلظَّالِمِينَ) : للكافرين (ناراً) ، وفيه دليل على أن النار مخلوقة ؛ لأنها لو لم تكن مخلوقة موجودة معدّة لكان المخبر كذّابا ، وتعالى الله عن ذلك.
وقوله : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) ، روى [أبو] سعيد الخدري عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سرادق النار أربعة جدر كثف ، كل واحد مسيرة أربعين سنة» (١) [٧١]. وقال ابن عباس : هو حائط من نار. الكلبي : هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفّار كالحظيرة. وقال القتيبي : السّرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. قال رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن الجارود |
|
سرادق المجد عليك ممدود (٢) |
وقال سلامة بن جندل :
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه |
|
صدور الفيول بعد بيت مسردق (٣) |
وهو هاهنا دخان يحيط بالكفار يوم القيامة ، وهو الذي ذكره الله في سورة المرسلات : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (٤).
(وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من شدة العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) ، روى أبو مسلم عن أبي سعيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (بِماءٍ كَالْمُهْلِ) قال : «كعكر الزّيت ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه» (٥) [٧٢]. وقال ابن عباس : ماء غليظ مثل دردي الزيت. وقال الأعمش : هو عصارة الزيت. ومجاهد : القيح والدم. قال الضحّاك : المهل ماء أسود ، وإن جهنم سوداء ، ماؤها أسود ، وشجرها أسود ، وأهلها سود. وقال أبو عبيدة : كل ما أذيب من جواهر الأرض.
وروى روح بن عبادة ، عن سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن ابن مسعود أهديت له سقاية من ذهب وفضّة ، فأمر بأخدود فخدّ في الأرض ، ثمّ قذف فيه من جزل الحطب ، ثمّ قذف فيه تلك السقاية ، فلما أزبدت وانماعت ، قال لغلامه : ادع من بحضرتك من أهل الكوفة. فدعا رهطا ، فلما دخلوا عليه قال : أترون هذا؟ قالوا : نعم. قال : ما رأينا في الدنيا شبها بالمهل أدنى
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ١٥ / ٢٩٨.
(٢) الصحاح : ٤ / ١٤٩٦.
(٣) لسان العرب : ١٠ / ١٥٨ ، وكتاب العين : ٥ / ٢٥١ وفيه : نحور ، بدل : صدور.
(٤) سورة المرسلات : ٣٠.
(٥) مسند أحمد : ٣ / ٧١.