ثمّ إن صاحبه بنى دارا بألف دينار ، فقال هذا : إن فلان بنى دارا بألف دينار ، وإني اشتريت منك دارا في الجنة بألف دينار ، فتصدّق بألف دينار. ثمّ تزوج بامرأة وأنفق عليها ألف دينار فقال : إنّ فلان تزوّج امرأة بألف دينار ، وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدّق بألف دينار. ثمّ اشترى خدما ومتاعا بألف دينار ، فقال : إن فلان اشترى خدما ومتاعا بألف دينار ، وإني اشتري منك خدما ومتاعا في الجنة بألف دينار فتصدّق بألف دينار.
ثمّ أصابته حاجة شديدة فقال : لو أتيت صاحبي هذا لعلّه ينالني منه معروف. فجلس له على طريقه حتى مرّ به في حشمه ، فقام إليه ، فنظر إليه الآخر فعرفه فقال : فلان؟ قال : نعم. قال ما شأنك؟ قال : أصابتني حاجة بعدك ، فأتيتك لتصيبني بخير. فقال : فما فعل مالك فقد اقتسمنا مالا واحدا فأخذت شطره وأنا شطره؟ فقصّ عليه قصته ، فقال : وإنك لمن المصدّقين بهذا ، أي بأنك تبعث وتجازى؟ اذهب فو الله لا أعطيك شيئا.
فطرده ، فقضي لهما أن توفيا ، فنزل فيهما : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) إلى قوله : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) (١) ، ونزلت (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) : بستانين (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما) : أحطناهما (بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) ، يعني : جعلنا حول الأعناب النخل ووسط الأعناب الزرع.
(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) : أعطت ، يعني : آتت كل واحدة من الجنتين ، فلذلك لم يقل : آتتا (أُكُلَها) : ثمرها تامّا (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) ، أي لم ينقص ، (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) ، يعني : شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا.
(وَكانَ لَهُ) ، يعني : لفطروس (ثَمَرٌ) ، يعني : المال الكثير المثمر من كل صنف ، جمع ثمار. ومن قرأ : (ثمر) فهو جمع ثمرة. مجاهد : ذهب وفضة. ابن عباس : أنواع المال. قتادة : من كلّ المال. وقال ابن زيد : الثمر الأصل. (فَقالَ لِصاحِبِهِ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) : يجاوبه (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) ، يعني عشيرة ورهطا. قال قتادة : خدما وحشما. وقال مقاتل : ولدا ، تصديقه قوله تعالى (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) ...
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) ، يعني : فطروس ، أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به ويريه إيّاها ويعجبه منها ، (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بكفره ، فلمّا رأى ما فيها من الأنهار والأشجار والأزهار والثمار (قالَ : ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً. وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ) : القيامة (قائِمَةً) : آتية كائنة. ثمّ تمنّى على الله أمنية أخرى مع شكّه وشركه فقال : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ) : صرفت (إِلى رَبِّي) ، فرجعت إليه في المعاد (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) ، أي من الجنة التي دخلها. وقرأ أهل الحجاز والشام (منهما)
__________________
(١) سورة الصافات : ٥٥.