وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠))
(وَاضْرِبْ) يا محمد (لَهُمْ) : لهؤلاء المتكبرين المترفين الذين سألوا طرد الفقراء المؤمنين (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) ، يعني : المطر. قالت الحكماء : شبّه الله تعالى الدنيا بالماء ؛ لأن الماء لا يستقر في موضع وحال ، كذلك الدنيا لا تبقى لأحد ، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة وكذلك الدنيا ، ولأن الماء يفنى كذلك الدنيا تفنى ، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتلّ ، فكذلك الدنيا لا يسلم من آفاتها وفتنتها أحد ، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا مبقيا وإذا جاوز الحد المقدّر كان ضارّا مهلكا ، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع ، وفضولها يضرّ. (فَاخْتَلَطَ بِهِ) : بالماء (نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ) عن قريب (هَشِيماً) ، قال ابن عباس : يابسا. قال الضحّاك : كسيرا. قال الأخفش : متفتّتا ، وأصله الكسر. (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ، قال ابن عباس : تديره. قال ابن كيسان : تجيء به وتذهب. قال الأخفش : ترفعه.
وقال أبو عبيدة : تفرّقه. القتيبي : تنسفه. وقرأ طلحة بن مصرف : الآية فقال : ذرته الريح تذروه ذروا ، وتذريه ذريا وأذرته إذراء إذا أطارت به ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) ، قادرا.
(الْمالُ وَالْبَنُونَ) التي يفخر بها عيينة وأصحابه من الأشراف والأغنياء (زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وليست من زاد القبر ولا من عدد الآخرة ، (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) التي يعملها سلمان وأصحابه من الموالي والفقراء (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) أي خير ما يأمله الإنسان.
واختلفوا في (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) ما هي ؛ قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحّاك : هي قول العبد : (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر). يدل عليه ما روى مسلم بن إبراهيم عن أبي هلال عن قتادة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أخذ غصنا فحركه حتى سقط ورقه ، وقال : «إن المسلم إذا قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، تحاتّت عنه الذنوب (١).
خذهن إليك أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن ؛ فهنّ من كنوز الجنّة وصفايا الكلام ، وهنّ (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ)» [٧٤] (٢).
وقال عثمان رضياللهعنه وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح : هي (سبحان الله
__________________
(١) في المصدر : تحاتت خطاياه كما تحات هذا.
(٢) تفسير القرطبي : ١٠ / ٤١٥.