حلما وأكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض فرأى بذلك لنفسه شرفا وعظمة فذلك الذي دعاه إلى الكبر ، فعصى فمسخه الله شيطانا رجيما ملعونا. فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه ، وكانت خطيئة آدم معصية ، وخطيئة إبليس كبرا.
وقال ابن عباس في رواية أخرى : كان من الجن [و] إنما سمي بالجنان ، لأنه كان خازنا عليها فنسب إليها ، كما يقال للرجل : مكي وكوفي ومدني وبصري. [أخبرنا عبد الله بن حامد : أخبرنا محمد ابن يعقوب السّري عن يحيى بن عثمان بن زفر قال] (١) : روى يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير. في قوله عزوجل : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ـ قال : كان من الجنانيين الذين يعملون في الجنّة. وقال الحسن : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ، وإنه لأصل الجنّ كما أن آدم أصل الأنس. وقال شهر ابن حوشب : كان إبليس من الجنّ الذين ظفر بهم الملائكة فأسره بعض الملائكة ، فذهب به إلى السماء. وقال قتادة : جنّ عن طاعة (٢) الله تعالى ، (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) يعني : خرج عن طاعة ربه. تقول العرب : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها ، ولذلك قيل لها : الفويسقة. وقيل : هي من الفسوق ، وهي الاتّساع ، تقول العرب : فسق فلان في النفقة إذا اتسع فيها ، وما أصاب مالا إلّا فسقه ، أي أهلكه وبذّره. والفاسق سمّي فاسقا ؛ لأنه اتّسع في محارم الله عزوجل ، وهوّنها على نفسه.
(أَفَتَتَّخِذُونَهُ) ، يعني يا بني آدم (وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) : أعداء. وقال الحسن : الإنس من آخرهم من ذريّة آدم ، والجن من آخرهم من ذريّة إبليس. قال مجاهد : فمن ذريّة إبليس لافيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة ، والهفّان ومرّة وبه يكنّى إبليس وزيلنون وهو صاحب الأسواق يضع رايته بكل سوق من السّماء والأرض ، والدثر وهو صاحب المصائب يأمر بضرب الوجه وشقّ الجيوب والدعاء بالويل والحرب ، والأعور وهو صاحب أبواب الزّنا ، ومبسوط وهو صاحب الأخبار يأتي بها فيلقيها في أفواه النّاس فلا يجدون [لها] (٣) أصلا ، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله عزوجل ، بصّره من المقابح ما لم يرفع أو لم يحسن موضعه ، فإذا أكل ولم يذكر اسم الله عليه أكل معه.
وقال الأعمش : ربما دخلت البيت ، ولم أذكر اسم الله ولم أسلّم فرأيت مطهره فقلت : ارفعوا ، وخاصمتهم ، ثمّ أذكر فأقول : داسم ، داسم.
وروى مخلد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوما إذ أقبل حمال ومعه دن حتى وضعه ، ثمّ جاءني فقال : أنت الشعبي؟ قلت : نعم. فقال : أخبرني هل لإبليس زوجة؟ قلت : إن ذلك لعرس
__________________
(١) زيادة عن نسخة أصفهان.
(٢) في نسخة أصفهات : امر.
(٣) في المخطوط : له.