(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) : نزيلها عن أماكنها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : (تسيّر) ـ بالتاء وفتح الياء ـ (الجبالُ) رفعا على المجهول ، (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) ظاهرة كرأي العين ليس عليها شجر ولا جبل ولا ثمر ولا شيء يسترها. وقال عطاء : ترى باطن الأرض ظاهرا قد برز الذين كانوا في بطنها فصاروا على ظهرها ، (وَحَشَرْناهُمْ) : جمعناهم إلى الموقف للحساب ، (فَلَمْ نُغادِرْ) : نترك ونخلف (مِنْهُمْ أَحَداً. وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) يعني : صفّا صفّا ؛ لأنهم صفّ واحد.
وقيل قياما ، يقال لهم ـ يعني للكفار ، لفظه عام ومعناه خاص ـ : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني : أحياء. وقيل : عراة. وقيل : عزّلا. وقيل : فرادى. (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) يعني : القيامة.
قوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) يعني كتب أعمال الخلق ، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) : خائفين (مِمَّا فِيهِ) من الأعمال السيئة ، (وَيَقُولُونَ) إذا رأوها : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) من ذنوبنا؟ قال ابن عباس : الصغيرة : التبسّم ، والكبيرة : القهقهة. وقال سعيد بن جبير : الصغيرة اللمم والتخميش والقبل والمسيس ، والكبيرة : الزنا ، والمواقعة ، (إِلَّا أَحْصاها) ، قال ابن عباس : عملها. وقال السّدي : كتبها وأثبتها. وقال مقاتل بن حيان : حفظها. وقيل : عدّها. وقال إبراهيم ابن الأشعث : كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية قال : ضجّوا والله من الصغار قبل الكبار.
وضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لصغائر الذنوب مثلا فقال : «كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض فانطلق كل رجل منهم يحتطب ، فجعل الرجل منهم يأتي بالعود ويجيء الآخر بعودين (١) حتى جمعوا سوادا وأجّجوا. وإن الذنب الصغير يجتمع على صاحبه حتى يهلكه» (٢) [٧٨].
(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مكتوبا مثبتا في كتابهم (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) يعني : لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا. قال الضحّاك : لا يأخذ أحدا بجرم لم يعمله ولا يورّث ذنب أحد على غيره.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) يقول جلّ ذكره مذكّرا لهؤلاء المتكبرين ما أورث الكبر إبليس ، ويعلّمهم أنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان لأبيهم : واذكر يا محمد (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) ؛ اختلفوا فيه فقال ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا (مِنْ نارِ السَّمُومِ) ، وخلق الملائكة من نور غير هذا الحي. وكان اسمه بالسريانية عزازيل وبالعربية الحرث ، وكان من خزان الجنّة ، وكان رئيس ملائكة الدنيا ، وكان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض ، وكان من أشد الملائكة
__________________
(١) في المصدر : بالعود.
(٢) جامع البيان للطبري : ١٥ / ٣٢١.