(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) ، اختلفوا في نبوّته فقال بعضهم : كان نبيا. وقال الآخرون : كان ملكا عادلا صالحا. [أخبرنا أبو منصور الحمشادي : أبو عبد الله محمد بن يوسف عن] (١) وكيع عن العلاء بن عبد الكريم قال : سمعت مجاهدا يقول : ملك الأرض أربعة : مؤمنان ، وكافران. فأما المؤمنان فسليمان وذو القرنين ، وأما الكافران فنمرود وبخت نصّر.
واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين ، فقال بعضهم : سمي بذلك ، لأنه ملك الروم وفارس. وقيل : لأنه كان في رأسه شبه القرنين. وقيل : لأنه رأى في منامه كأنه أخذ بقرني الشمس فكان تأويل رؤياه أنه طاف الشرق والغرب. وقيل : لأنه دعا قومه إلى التوحيد فضربوه على قرنه الأيمن ثمّ دعاهم إلى التوحيد فضربوه على قرنه الأيسر. وقيل : لأنه كان له ذؤابتان حسناوان ، والذؤابة تسمى قرنا. وقيل : لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه.
وقيل : لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس ، وهو حي. وقيل : لأنه إذا كان حارب قاتل بيده وركابه جميعا. وقيل : لأنه أعطي علم الظاهر الباطن. وقيل : لأنه دخل النور والظلمة.
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أوطأنا له في الأرض فملكها وهديناه طرقها ، (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الخلق. وقيل : من كل شيء يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء (سَبَباً) علما يتسبّب به إليه. وقال الحسن : بلاغا إلى حيث أراد. وقيل : قربنا إليه أقطار الأرض ، كما سخرنا الريح لسليمان عليهالسلام.
(فَأَتْبَعَ) : سلك وسار. وقرأ أهل الكوفة : (فَأَتْبَعَ)) ... ، (ثُمَّ أَتْبَعَ) بقطع الألف وجزم الثاني : لحق (سَبَباً) ، قال ابن عباس : منزلا ، وقال مجاهد : طريقا بين المشرق والمغرب ، نظير قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) يعني الطرق.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) قرأ العبادلة : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير ، والحسن ، وأبو جعفر ، وابن عامر وأيوب ، وأهل الكوفة : (حامية) بالألف ، أي حارة.
ويدل عليه ما [أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله بن سليمان عن عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن سفيان بن الحسين عن الحكم ابن عيينة عن] (٢) إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ قال : كنت ردف النّبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا أبا ذر أين تغرب هذه؟». قلت : الله ورسوله أعلم. قال : «فإنها تغرب في عين حامية» (٣) [٩٤].
__________________
(١) في النسخة المعتمدة بدلها : روى.
(٢) زيادة عن نسخة أصفهان ، وفي النسخة المعتمدة بدلها : ما روى.
(٣) سنن أبي داود : ٢ / ٢٤٩.