وقال عبد الله بن عمرو : نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الشمس حين غابت فقال : «في نار الله الحامية ، في نار الله الحامية فلولا ما يزعمها من أمر الله عزوجل لأحرقت ما على الأرض» (١) [٩٥].
وقرأ الباقون : (حَمِئَةٍ) مهموزة بغير ألف ، يعني : ذات حمأة ، وهي الطينة السوداء. يدل عليه ما روى سعد بن أوس عن مصرع بن يحيى عن ابن عباس قال : أقرأنيها أبيّ بن كعب كما أقرأه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (٢) وقال كعب : أجدها في التوراة : (في عين سوداء) ، فوافق ابن عباس. أبو أسامة عن عمرو بن ميمون قال : سمعت أبا حاضر أو ابن حاضر ـ رجل من الأزد ـ يقول : سمعت ابن عباس يقول : إنّي لجالس عند معاوية إذ قرأ هذه الآية : (وجدها تغرب في عين حامية) فقلت : ما نقرؤها إلّا (حَمِئَةٍ). فقال معاوية لعبد الله بن عمر : وكيف تقرؤها؟ قال : كما قرأتها يا أمير المؤمنين. قال ابن عباس : فقلت : في بيتي نزل القرآن.
فأرسل معاوية إلى كعب ، فجاءه فقال : أين تجد الشمس تغرب في التوراة يا كعب؟ قال : أما العربية فأنتم أعلم بها ، وأما الشمس فإنّي أجدها في التوراة تغرب في ماء وطين. قال : فقلت لابن عباس : لو كنت عندكما لانشدت كلاما تزداد به نصرة في قولك : (حَمِئَةٍ). قال ابن عباس : فإذن ما هو؟ فقلت : قول تبع :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما |
|
ملكا تدين له الملوك وتسجد |
بلغ المشارق والمغارب يبتغي |
|
أسباب أمر من حكيم مرشد |
فرأى معاد الشمس عند غروبها |
|
في عين ذي خلب وثأط حرمد (٣) |
قال : فقال ابن عباس : ما الخلب؟ قلت : الطين بكلامهم. قال : فما الثأط؟ قلت : الحمأة. قال : وما الحرمد؟ قلت : الأسود. قال : فدعا رجلا أو غلاما ، فقال : اكتب ما يقول هذا. وقال أبو العالية : بلغني أن الشمس في عين ، تقذفها العين إلى المشرق.
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) ، يعني ناسا (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) : إما أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) ، أي تعفو وتصفح. وقيل : تأسرهم فتعلّمهم وتبصّرهم الرّشاد.
(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) ، أي كفر (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) : نقتله (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) : منكرا. (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) ، قرأ أهل
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ١٦ / ١٧.
(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢٤٦.
(٣) تفسير القرطبي : ١١ / ٤٩ ، وفيه : مغيب ، بدل : معاد.