منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلّهم قد حمل السلاح». قيل : يا رسول الله صفهم لنا.
قال : «هم ثلاثة أصناف : صنف منهم أمثال الأرز» قيل : يا رسول الله ، وما الأرز؟ قال : «شجرة بالشام طول الشجر عشرون ومائة ذراع في السماء ، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع ، وصنف منهم يفرش أذنه ويلتحف بالأخرى ، لا يمرّون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلّا أكلوه ومن مات منهم أكلوه. مقدّمهم بالشام وساقتهم بخراسان ، ويشربون أنهار المشرق وبحيرة الطبرية» [٩٦] (١).
قال وهب بن منبه : كان ذو القرنين رجلا من الروم ، ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره ، وكان اسمه الإسكندر ، فلمّا بلغ وكان عبدا صالحا ، قال الله تعالى : «يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض ، وهي (٢) أمم مختلفة ألسنتهم ، وهم جميع أهل الأرض (٣) ، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلّه وأمم وسط الأرض منهم الجنّ والإنس ويأجوج ومأجوج. وأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأمّة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك ، وأمّا الأخرى فعند مطلعها يقال لها منسك ، وأمّا اللتان بينهما عرض الأرض فأمّة في قطر الأرض الأيمن يقال لها : هاويل ، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها : تاويل». فلمّا قال الله تعالى له ذلك ، قال ذو القرنين. «يا إلهي إنّك قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلّا أنت ، فأخبرني عن هذه الأمم التي بعثتني إليها بأي قوّة أكابرهم؟ وبأي جمع وبأي حيلة أكاثرهم؟ وبأي صبر أواسيهم؟ وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف لي بأن أفقه لغاتهم؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم؟ وبأي بصر أنقدهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟ وبأي عقل أعقل عنهم؟ وبأي حكمة أدبر أمرهم؟ وبأي قسط أعدل بينهم؟ وبأي حلم أصابرهم؟ وبأي معرفة أفصل بينهم؟ وبأي علم أتقن أمورهم؟ وبأي يد أسطو عليهم؟ وبأي رجل أطؤهم؟ وبأي طاقة أحصيهم؟ وبأي جند أقاتلهم؟ وبأي رفق أتألّفهم؟ وليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقوم بهم ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم ، وأنت الرؤوف الرحيم لا تكلّف (نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، ولا تحملها إلّا طاقتها ، ولا تشقيها بل أنت ترحمها». قال الله تعالى : «إنّي سأطوقك ما حمّلتك : أشرح لك صدرك فتسمع كل شيء ، وأشرح لك فهمك فتفهم كلّ شيء ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكلّ شيء ، وأفتح لك سمعك فتعي كلّ شيء ، وأمدّ لك بصرك فتنقد كلّ شيء ، وأحصي لك فلا يفوتك شيء ، وأشدّ لك عضدك فلا يهولك شيء ، وأشدّ لك ركنك فلا يغلبك شيء ، وأشد لك قلبك فلا يفزعك شيء ، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء ، وأبسط لك من بين يديك فتسطو فوق كلّ شيء ، وأشدّ لك وطأتك فتهدّ كلّ شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك
__________________
(١) مجمع الزوائد : ٨ / ٦ بتفاوت يسير.
(٢) في المصدر : هم ، بدل : هي.
(٣) في المصدر : [وهم أصناف : امتان بينهما طول الأرض كله] ، بدل : [وهم جميع أهل الأرض].