ويتراحمون ، حالتهم واحدة وكلمتهم واحدة ، وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة ، وقلوبهم متآلفة ، وسيرتهم مستوية ، وقبورهم بأبواب بيوتهم ، وليس على بيوتهم أبواب ، وليس عليهم أمراء ، وليس بينهم قضاة ، ولا بينهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ، ولا يختلفون ولا يتفاضلون ، ولا يتنازعون ، ولا يستبّون (١) ، ولا يقتلون ، ولا يضحكون ، ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب النّاس ، وهم أطول الناس أعمارا ، وليس فيهم مسكين ولا فقير ، ولا فظ ولا غليظ.
فلما رأى ذلك من أمرهم عجب وقال : «أخبروني أيّها القوم خبركم ، فإنّي قد أحصيت الأرض كلّها ؛ برّها وبحرها ، وشرقها وغربها ، فلم أر أحدا مثلكم ، فخبروني خبركم». قالوا نعم : فسلنا عمّا تريد. قال : «خبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم؟». قالوا : عمدا فعلنا ذلك ، لئلا ننسى الموت ، ولا يخرج ذكره من قلوبنا.
قال : «فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟». قالوا : ليس فينا متّهم ، وليس فينا إلّا أمين مؤتمن.
قال : «فما بالكم ليس عليكم أمير؟». قالوا : لا حاجة لنا إلى ذلك.
قال : «فما بالكم ليس فيكم حكّام؟». قالوا : لا نختصم.
قال : «فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟». قالوا : لا نتكاثر.
قال : «فما بالكم ليس فيكم ملوك؟». قالوا : لا نفتخر.
قال : «فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟». قالوا : من ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا.
قال : «فما بالكم لا تقتتلون؟». قالوا : من أجل أنّا شبنا أنفسنا بالأحلام (٢).
قال : «فما بال كلمتكم واحدة ، وطريقتكم مستقيمة؟». قالوا : من قبل أنا لا نتكاثر ، ولا نتخادع ، ولا يغتال بعضنا بعضا.
قال : «فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم ، واعتدلت سيرتكم؟». قالوا : صحت صدورنا فنزع بذلك الغل والحسد من قلوبنا.
قال : «فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟». قالوا : من أجل أنا نقسم بالسوية.
قال : «فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟». قالوا : من قبل الذل والتواضع.
قال : «فما جعلكم أطول النّاس أعمارا؟». قالوا : من قبل أنا نتعاطى الحقّ ، ونحكم بالعدل.
__________________
(١) أي يسب بعضهم بعضا.
(٢) أي العقول.