خلّة ، فأذن له حتى أتى إدريس وكان يسأله إدريس فكان ممّا سأله أن قال له : أخبرت أنّك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فازداد شكرا وعبادة ، فقال الملك : لا يؤخّر الله (نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) قال : قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي ، فقال : نعم أنا مكلّمه لك فما كان يستطيع أن يفعل لأحد من بني آدم فهو فاعله لك ، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثمّ أتى ملك الموت فقال : حاجة لي إليك ، فقال : أفعل كلّ شيء أستطيعه قال : صديق لي من بني آدم تشفّع بي إليك لتؤخّر أجله قال : ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت فيقدّم في نفسه ، قال : نعم ، فنظر في ديوانه وأخبر باسمه فقال : إنك كلّمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا ، قال : وكيف؟ قال : لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس ، قال : إنّي أتيتك وتركته هناك ، قال : انطلق فما أراك تجده إلّا وقد مات ، فو الله ما بقي من أجل إدريس شيء ، فرجع الملك فوجده ميّتا وقال وهب : كان يرفع لإدريس كلّ يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه ، فعجبت منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربّه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم ، وكان إدريس صائما يصوم الدهر ، فلمّا كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس فقال له الليلة الثالثة : إنّي أريد أن أعلم من أنت ، قال : أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك فأذن لي ، قال : فلي إليك حاجة ، قال : وما هي؟ قال : تقبض روحي ، فأوحى الله عزوجل إليه أن اقبض روحه ، فقبض روحه وردّها الله عليه بعد ساعة.
قال له ملك الموت : ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال : لأذوق كرب الموت وغمّته فأكون له أشدّ استعدادا ، ثم قال إدريس له : لي إليك حاجة أخرى ، قال : وما هي؟ قال : ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنّة وإلى النار ، فأذن الله له في رفعه إلى السماوات ، فلمّا قرب من النار قال : حاجة قال : وما تريد؟ قال : تسأل مالكا حتى يفتح لي بابها فأردها ، ففعل ثمّ قال : فكما أريتني النار فأرني الجنّة ، فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنّة ، ثم قال له ملك الموت : اخرج لتعود إلى مقرّك فتعلّق بشجرة وقال : لا أخرج منها ، فبعث الله ملكا حكما بينهما ينظر في قولهما فقال له الملك : ما لك لا تخرج؟ قال : لأن الله تعالى قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١) وقد ذقته ، وقال (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٢) وقد وردتها ، وقال (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٣) فلست أخرج ، فأوحى الله سبحانه إلى ملك الموت : دخل الجنة وبأمري يخرج ، فهو حيّ هناك فذلك قوله : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا).
__________________
(١) سورة آل عمران : ٨٥.
(٢) سورة مريم : ٧١.
(٣) سورة الحجر : ٤٨.