وعاصم ويعقوب (يَذْكُرُ) بالتخفيف ، والاختيار التشديد لقوله سبحانه (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١) وأخواتها ، يدل عليه قراءة أبي يتذكر الإنسان يعني أبي بن خلف الجمحي (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) ثمّ أقسم بنفسه فقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) لنجمعنّهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث (وَالشَّياطِينَ) مع الشياطين يعني قرناءهم الذين أضلّوهم ، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) يعني في جهنم (جِثِيًّا) قال ابن عباس : جماعات جماعات ، وقال مقاتل : جميعا وهو على هذا القول جمع جثوة ، وقال الحسن والضحاك : جاثية على الركب وهو على هذا التأويل جمع جاث. قال الكميت :
هم تركوا سراتهم جثيّا |
|
وهم دون السراة مقرنينا (٢) |
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) لنخرجنّ من كلّ أمّة وأهل دين (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) عتوّا قال ابن عباس : يعني جرأة ، وقال مجاهد : فجورا وكذبا ، قال مقاتل : علوّا ، وقيل : غلوّا في الكفر ، وقيل : كفرا ، وقال الكلبي : قائدهم رأسهم في الشرّ.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسن بن علي قال : حدّثنا أبو أسامة عن سفيان عن علي بن الأرقم عن أبي الأحوص قال : نبدأ بالأكابر فالأكابر (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي أحقّ بدخول النار ، يقال : صلي يصلى صليا مثل لقي يلقى لقيّا وصلى يصلى صليا مثل مضى يمضي مضيا.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) قيل : في الآية إضمار مجازه : والله (إِنْ مِنْكُمْ) يعني ما منكم من
__________________
(١) الرعد : ١٩.
(٢) تفسير القرطبي : ١١ / ١٣٣.