إيّاهم على أعمالهم (وَهُمْ) واو الحال (فِي غَفْلَةٍ) عنه (مُعْرِضُونَ) عن التفكير فيه والتأهّب له ، نزلت في منكري البعث.
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) يعني ما يحدث الله تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم ويعظهم به (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) لا يعتبرون ولا يتّعظون.
قال مقاتل : يحدث الله الأمر بعد الأمر ، وقال الحسن (١) بن الفضل : الذكر هاهنا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يدلّ عليه قوله في سياق الآية (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ولو أراد الذكر بالقرآن لقال : هل هذا إلّا أساطير الأوّلين ، ودليل هذا التأويل أيضا قوله : (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) يعني محمدا عليهالسلام.
(لاهِيَةً) ساهية (قُلُوبُهُمْ) معرضة عن ذكر الله ، من قول العرب : لهيت عن الشيء إذا تركته ، ولاهية نعت تقدّم الاسم ومن حقّ النعت أن يتبع الاسم في جميع الاعراب ، فإذا تقدّم النعت الاسم فله حالتان : فصل ووصل ، فحاله في الفصل النصب كقوله سبحانه (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) و (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ). قال الشاعر :
لعزّة موحشا طلال |
|
يلوح كأنّه خلل (٢) |
أراد : طلل موحش ، وحاله في الوصل حال ما قبله من الإعراب كقوله تعالى (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) قال ذو الرمّة :
قد أعسف النازح المجهول معسفة |
|
في ظلّ أخضر يدعو هامة البوم (٣) |
أراد معسفه مجهول وإنّما نصب لانتصاب النازح.
وقال النابغة :
من وحش وجرة موشّي أكارعه |
|
طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد (٤) |
أراد أنّ أكارعه موشيّة.
(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) كان حقّه وأسرّ لأنه فعل تقدّم الاسم فاختلف النحاة في وجهه ، فقال الفرّاء : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) في محلّ الخفض على أنّه تابع للناس في قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ).
وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير أراد والذين ظلموا أسرّوا النجوى.
__________________
(١) في نسخة أصفهان : الحسين.
(٢) تفسير القرطبي : ١١ / ٢٦٨ ، ولسان العرب : ٦ / ٣٦٨ وفيه لسلمى موحشا.
(٣) كتاب العين : ١ / ٣٣٩.
(٤) تفسير القرطبي : ٦ / ٢٣٥.