وقال عكرمة : هما الجنة والنار اختصمتا فقالت النار : خلقني الله سبحانه وتعالى لعقوبته ، وقالت الجنّة : خلقني الله عزوجل لرحمته ، فقد قصّ الله عليك سبحانه من خبرهما ما تسمع ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو سعيد بن حمدون رحمهالله بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي قال : حدّثنا محمد بن يحيى الذهلي وعبد الرّحمن بن بشر العبدي وأحمد بن يوسف السلمي قالوا : حدّثنا عبد الرزاق بن همام الحميري قال : أخبرنا معمر بن راشد عن همام بن منبه قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «تحاجّت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبّرين المتجبّرين ، وقالت الجنة : لا يدخلني إلّا ضعفاء الناس وسقاطهم ، فقال الله سبحانه للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحد منكما ملؤها ، فأما النار فإنّهم يلقون فيها وتقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)؟ فلا تمتلئ حتى يضع الله سبحانه رجله فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم من خلقه أحدا. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا» [٣] (١).
ثم بيّن مآل الخصمين وحال أهل الدارين فقال سبحانه وتعالى (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) (٢).
قال سعيد بن جبير : (ثِيابٌ) من نحاس (مِنْ نارٍ) ، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّا منه.
(يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) الماء الحار.
روى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم (٣) أنّه قال : «إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جنبه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه ، وهو الصهر ثم يعاد كما كان (يُصْهَرُ) يذاب ، يقال : صهرت الألية والشحم بالنار أذبتها ، أصهرها صهرا ، قال الشاعر :
تروي لقى ألقى في صفصف |
|
تصهره الشمس ولا ينصهر |
ومعنى الآية : يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رؤوسهم (ما فِي بُطُونِهِمْ) من الشحوم والأحشاء وتنشوي جلودهم منه فتتساقط.
(وَلَهُمْ مَقامِعُ) سياط (مِنْ حَدِيدٍ) واحدتها مقمعة ، سمّيت بذلك لأنّها يقمع بها المضروب أي يذلّل.
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٣١٤.
(٢) مسند ابن المبارك : ٧٧.
(٣) كتاب العين : ٨ / ٣١٢.