وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبّان قال : حدّثنا إسحاق بن محمد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى (١) قال : حدّثنا علي بن علي قال : حدّثني أبو حمزة الثمالي في هذه الآية قال : بلغنا ـ والله أعلم ـ أنّها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان يخرج له العواتق من البيوت.
وبه عن أبي حمزة قال : حدّثني الكلبي عن أبي صالح مولى أم هاني أنّ عبد الله بن عباس حدّثه قال : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أميّة قال : سيكون لنا عليهم الدولة فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة ، وهوان بعد عزة. وأمّا قوله سبحانه (خاضِعِينَ) ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ففيه وجوه صحيحة من التأويل : أحدها : فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، فجعل الفعل أوّلا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال ، كقول الشاعر :
على قبضة مرجوة ظهر كفّه |
|
فلا المرء مستحي ولا هو طاعم (٢) |
فأنّث فعل الظهر لأنّ الكفّ تجمع الظهر وتكفى منه كما أنّك مكتف بأن تقول : خضعت للأمر أن تقول : خضعت لك رقبتي ، ويقول العرب : كلّ ذي عين ناظر إليك وناظرة إليك لأنّ قولك : نظرت إليك عيني ونظرت بمعنى واحد ، وهذا شائع في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويعمد الى الآخر فيجعل له الخبر كقول الراجز :
طول الليالي أسرعت في نقضي |
|
طوين طولي وطوين عرضي (٣) |
فأخبر عن الليالي وترك الطول ، قال جرير :
أرى مرّ السنين أخذن منّي |
|
كما أخذ السرار من الهلال (٤) |
وقال الفرزدق :
نرى أرماحهم متقلّديها |
|
إذا صدئ الحديد على الكماة (٥) |
فلم يجعل الخبر للأرماح وردّه الى هم لكناية القوم وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط من وطول والأرماح من الكلام لم يفسد سقوطها معنى الكلام ، فكذلك رد الفعل الى الكناية في قوله أعناقهم ؛ لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ولأدّى ما بقي من الكلام عنها وكان فظلوا خاضعين لها واعتمد الفرّاء وأبو عبيد على هذا القول.
__________________
(١) في النسخة الثانية : ابراهيم بن إسحاق.
(٢) جامع البيان للطبري : ١٩ / ٧٨.
(٣) تفسير القرطبي : ١٣ / ٩٠.
(٤) تفسير القرطبي : ٧ / ٢٦٤.
(٥) جامع البيان للطبري : ١ ؛ ٩ / ٧٧.