وقال الفرّاء : هو من المقلوب أراد فإنّي عدو لهم لأنّ من عاديته عاداك.
ثم قال (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) نصب بالاستثناء يعني (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) وغير معبود لي (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فإنّي أعبده ، قاله الفرّاء ، وقيل : هو بمعنى لكن ، وقال الحسن (١) بن الفضل : يعني الأمر عند رب العالمين.
ثم وصفه فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) أخبر أن الهادي على الحقيقة هو الخالق لا هادي غيره.
قال أهل اللسان : (الَّذِي خَلَقَنِي) في الدنيا على فطرته (فَهُوَ يَهْدِينِ) في الآخرة إلى جنته.
(وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) يعني يرزقني ويربيني.
وقال أبو العباس بن عطاء : يعني يطعمني أيّ طعام شاء ، ويسقيني أيّ شراب شاء.
قال محمد بن كثير العبدي : صحبت سفيان الثوري بمكة دهرا فكان يستف من السبت الى السبت كفّا من رمل.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن الشاه يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن حمدان يقول : سمعت الحجاج بن عبد الكريم يقول :
خرجت من بلخ في طلب إبراهيم بن أدهم فرأيته بحمص في أتون يسجّرها فسلّمت عليه وسألته عن حاله ، فردّ عليّ السلام وسألني عن حالي وحال أقربائه ، فكنت معه يومه ذلك فقال : لعلّ نفسك تنازعك الى شيء من طعام؟ فقلت : نعم فأخذ رمادا وترابا فخلطهما وأكلهما ثمّ أقبل بوجهه عليّ وانشأ يقول :
اخلط الترب بالرماد وكله |
|
وازجر النفس عن مقام السؤال |
فإذا شئت ان تقبّع بالذلّ |
|
فرم ما حوته أيدي الرجال |
فخرجت من عنده فمكثت أياما لم أدخل عليه فاشتدّ شوقي إليه ، فدخلت عليه وكنت عنده فلم يتكلّم بشيء فقلت له : لم لا تكلّم؟ فقال :
منع الخطاب لأنه سبب الردى |
|
والنطق فيه معادن الآفات |
فإذا نطقت فكن لربّك ذاكرا |
|
وإذا سكتّ فعدّ جسمك مات |
قال أبو بكر الوراق : (يُطْعِمُنِي) بلا طعام (وَيَسْقِينِ) بلا شراب ، ومجازها : يشبعني ويرويني من غير علاقة ، كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني» [٩٥]. يدلّ عليه حديث السقاء في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم حيث سمع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة أيام يقرأ
__________________
(١) في النسخة الثانية : الحسين.