واختلف العلماء في حكم هذا الاستثناء ومعنى الآية ، فقال الحسن وابن جريج : قال الله سبحانه (يا موسى إنّما أخفتك لقتلك).
قال الحسن : وكانت الأنبياء تذنب فتعاقب ، ثم تذنب والله فتعاقب.
قال ابن جريج : فمعنى الآية : لا يخيف الله سبحانه الأنبياء بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فقوله (إِلَّا) على هذا التأويل استثناء صحيح ، وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الرسل وغيرهم من الناس ، وفي الآية استغنى عنه بدلالة الكلام عليه تقديرها (فمن ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم).
وقال الفرّاء : يقول القائل : كيف صيّر خائفا من ظلم ثم بدّل حسنا بعد سوء وهو مغفور له؟
فأقول له : في الآية وجهان :
أحدهما : أن تقول أنّ الرسل معصومة ، مغفور لها ، آمنة يوم القيامة ، ومن خلط (عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) من سائر الناس فهو يخاف ويرجو ، فهذا وجه.
والآخر : أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة لأنّ المعنى (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) إنما الخوف على غيرهم.
ثمّ استثنى فقال عزّ من قائل : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) يقول : كان مشركا فتاب من الشرك وعمل حسنة مغفور له وليس بخائف.
قال : وقد قال بعض النحويّين : (إِلَّا) هاهنا بمعنى الواو يعني : ولا من ظلم منهم كقوله سبحانه (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
وقال بعضهم : قوله (إِلَّا) ليس باستثناء من المرسلين لأنّه لا يجوز عليهم الظلم وإنّما معنى الآية : لكن من ظلم فعليه الخوف فإذا تاب أزال الله سبحانه وتعالى عنه الخوف.
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) وإنّما أمره بإدخال يده في جيبه لأنّه كان عليه في ذلك الوقت مدرعة من صوف ، ولم يكن لها كمّ ، قاله المفسّرون.
(تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) برص وآفة (فِي تِسْعِ آياتٍ) يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهنّ.
(إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) فترك ذكر مرسل لدلالة الكلام عليه ، كقول الشاعر :
رأتني بحبليها فصدّت مخافة |
|
وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق (١) |
__________________
(١) لسان العرب : ٢ / ٦٢١.