قالت : ابن لي أخبّئه في التابوت ، وكرهت (١) الكذب ، قال : ولم؟ قالت : أخشى عليه كيد فرعون ، فلمّا اشترت التابوت وحملته وانطلقت ، انطلق النجار إلى أولئك الذبّاحين ليخبرهم بأمر أمّ موسى ، فلمّا همّ بالكلام أمسك الله سبحانه لسانه فلم ينطق الكلام ، وجعل يشير بيده ، فلمّا يدر الأمناء ما يقول ، فلمّا أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه ، فضربوه وأخرجوه.
فلمّا انتهى النجار إلى موضعه ردّ الله سبحانه عليه لسانه ، فتكلم ، فانطلق أيضا يريد الأمناء ، فأتاهم ليخبرهم وأخذ الله سبحانه لسانه وبصره ، فلم ينطق الكلام ، ولم يبصر شيئا ، فضربوه وأخرجوه ، فوقع في واد تهوى (٢) فيه حيران ، فجعل لله عليه إن ردّ لسانه وبصره أن لا يدلّ عليه ، وأن يكون معه لحفظه حيث ما كان ، فعرف الله عزوجل منه الصدق ، فردّ عليه بصره ولسانه فخرّ لله ساجدا ، فقال : يا رب دلّني على هذا العبد الصالح ، فدلّه الله عليه ، فخرج من الوادي ، فآمن به وصدّقه وعلم أنّ ذلك من الله.
فانطلقت أم موسى ، فألقته في البحر ، وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون ، وكان بها برص شديد مسلخة (٣) برصا ، فكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة ، فنظروا في أمرها ، فقالوا له : أيها الملك لا تبرأ إلّا من قبل البحر يوجد (٤) منه شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به (٥) برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس.
فلمّا كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية بنت مزاحم ، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهنّ وتنضح بالماء على وجوههن ، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج ، فقال فرعون : إنّ هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة ، ائتوني به ، فابتدروه بالسفن من كلّ جانب (٦) حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.
قال (٧) : فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها للذي أراد الله سبحانه أن يكرمها ، فعالجته ففتحت الباب ، فإذا هي بصبي صغير في مهده ، وإذا نور بين عينيه ، وقد جعل
__________________
(١) في نسخة أصفهان : فكرهت.
(٢) في نسخة أصفهان : يهوي.
(٣) كذا في الأصل.
(٤) في نسخة أصفهان : يؤخذ.
(٥) في نسخة أصفهان : بها.
(٦) في نسخة أصفهان : من كل ناحية.
(٧) في نسخة أصفهان : قالت.