الله تعالى رزقه في إبهامه يمصّه لبنا ، فألقى الله سبحانه لموسى عليهالسلام المحبة في قلب آسية ، وأحبّه فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت فرعون ، فلمّا أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه ، فلطخت به برصها ، فبرأت فقبّلته وضمّته إلى صدرها.
فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك إنّا نظن إنّ ذلك المولود الذي نحذر منه من بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر فرقا منك فاقتله ، فهمّ فرعون بقتله (١) ، قالت آسية : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) ، لا تقتله (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ، وكانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون ، فوهبه لها ، وقال فرعون : أما أنا فلا حاجة لي فيه ، فقال رسول الله عليهالسلام (٢) : «لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك مثل قالت امرأته لهداه الله سبحانه كما هداها ، ولكن أحب الله عزوجل أن يحرمه للذي سبق في علم الله» [١٢٦] (٣).
فقيل لآسية : سمّيه ، قالت : سميته موشا لأنّا وجدناه في الماء والشجر ، فـ (مو) هو الماء ، و (شا) : هو الشجر.
فذلك قوله سبحانه : (فَالْتَقَطَهُ) أي فأخذه ، والعرب تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة : أصبته التقاطا ، ولقيت فلانا التقاطا ، ومنه قول الراجز :
ومنهل وردته التقاطا |
|
لم ألق إذ وردته فراطا (٤) (٥) |
ومنه اللقطة وهو ما وجد ضالًّا فأخذ ، (آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ) هذه اللام تسمى لام العاقبة ، ولام الصيرورة ، لأنّهم إنما أخذوه ليكون لهم قرّة عين ، فكان عاقبة ذلك أنّه كان لهم ، (عَدُوًّا وَحَزَناً) ، قال الشاعر :
فللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدور تبنى المساكن (٦) |
(عَدُوًّا وَحَزَناً) قرأ أهل الكوفة بضم الحاء وجزم الزاي ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي ، واختاره أبو عبيد ، قال : للتفخيم ، واختلف فيه غير عاصم ، وهما لغتان مثل العدم والعدم ، والسقم والسقم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) عاصين آثمين.
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ) أي هو قرّة عين ، (لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) فإنّ الله أتانا به من أرض أخرى وليس من بني إسرائيل ، (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)
__________________
(١) في نسخة أصفهان : فلما همّ بقتله.
(٢) في نسخة أصفهان : صلى الله عليه.
(٣) كنز العمال : ٢ / ٣٤ ح ٣٠٢٢.
(٤) في نسخة أصفهان : التقاطا.
(٥) الصحاح : ٣ / ١١٥٧.
(٦) لسان العرب : ١٢ / ٥٦٢.