أخذوها وقالوا : إنّك قد عرفت هذا الغلام ، فدلّينا على أهله ، فقالت : ما أعرفه ولكني إنّما قلت : هم للملك ناصحون ، (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال الكلبي : الأشدّ : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة ، وقال سائر المفسّرين : الأشد ثلاث وثلاثون سنة ، (وَاسْتَوى) أي بلغ أربعين سنة.
أخبرنا أبو محمد المخلدي ، قال : أخبرنا أبو الوفاء المؤمل بن الحسن بن عيسى ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، قال : حدّثنا يحيى بن سليم ، قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله سبحانه : (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) قال : الأشدّ : ثلاث وثلاثون سنة ، والاستواء : أربعون سنة ، والعمر الذي أعده الله إلى ابن آدم ستون سنة ، ثم قرأ (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) (١).
(آتَيْناهُ حُكْماً) عقلا وفهما ، (وَعِلْماً) قال مجاهد : قيل : النبوة ، (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢))
(وَدَخَلَ) يعني موسى (الْمَدِينَةَ) قال السدي : يعني مدينة منف (٢) من أرض مصر (٣) ، وقال مقاتل : كانت قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر.
(عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) قال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء ، وقال غيره : نصف النهار عند القائلة ، واختلف العلماء في السبب الذي من أجله دخل
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٧.
(٢) قيل هي مدينة عين الشمس في منتهى جبل المقطم وقيل غير ذلك راجع تاج العروس : ٦ / ٢٥٠.
(٣) راجع تفسير الطبري : ٢٠ / ٥٣.