موسى هذه المدينة في هذا الوقت ، فقال السدّي : كان موسى عليهالسلام حين أمر بركب مراكب فرعون وبلبس مثل ما يلبس ، وكان إنّما يدعى موسى بن فرعون ، ثم إنّ فرعون ركب (١) مركبا وليس عنده موسى عليهالسلام ، فلمّا جاء موسى قيل له : إنّ فرعون قد ركب ، فركب في أثره ، فأدركه المقيل بأرض يقال لها : منف ، فدخلها نصف النهار وقد تقلّبت أسواقها ، وليس في طرقها أحد ، وهو الذي يقول الله سبحانه : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها).
وقال ابن إسحاق : كانت لموسى من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه (٢) ويقتدون به ويجتمعون إليه ، فلمّا اشتد رأيه وعرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه ، فخالفهم في دينه وتكلّم وعادى وأنكر حتى ذكر ذلك منه ، وحتى خافوه وخافهم ، حتى كان لا يدخل قرية إلّا خائفا مستخفيا ، فدخلها يوما (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها).
وقال ابن زيد : لمّا علا موسى فرعون بالعصا في صغره قال فرعون : هذا عدونا الذي قتلت فيه بني إسرائيل ، فقالت امرأته : لا بل هو صغير ، ثم دعت بالجمر والجوهر ، فلمّا أخذ موسى الجمرة وطرحها في فيه حتى صارت عقدة في لسانه ، ترك فرعون قتله وأمر بإخراجه من مدينته ، فلم يدخل عليهم إلّا بعد أن كبر وبلغ أشدّه ، (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) عن موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم به.
وقال علي بن أبي طالب رضياللهعنه : في قوله : (حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم (٣)، (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) من أهل دينه من بني إسرائيل ، (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من مخالفيه من القبط ، قال المفسرون : الذي هو (مِنْ شِيعَتِهِ) هو السامري ، و (الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) طباخ فرعون واسمه فليثون.
وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد ، قال : حدّثنا الحسن بن علوية ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : حدّثنا المسيب بن شريك قال : اسمه فاثون وكان خباز فرعون ، قالوا : يسخّره لحمل الحطب إلى المطبخ ، روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لمّا بلغ موسى أشده ، وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع ، فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل ، والآخر من آل فرعون ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى واشتد غضبه ؛ لأنّه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلّا إنّما ذلك من قبل الرضاعة من أمّ موسى ، فقال للفرعوني ، خلّ
__________________
(١) في نسخة أصفهان : ركب فركب في أثره.
(٢) في نسخة أصفهان : به.
(٣) زاد المسير : ٦ / ٩١.