وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها ملك في صورة رجل ، وأمر ابنته أن تأتيه بعصا ، فدخلت الجارية فأخذت العصا فأتته بها ، فلمّا رآها الشيخ قال لابنته ، آتيه بغيرها ، فلمّا رمتها تريد أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلّا هي ، كلّ ذلك تطير في يدها حتى فعلت ذلك مرات ، فأعطاها موسى ، فأخرجها معه ، ثم إنّ الشيخ ندم ، وقال : كانت وديعة ، فخرج يتلقّى موسى ، فلمّا لقيه ، قال : أعطني العصا ، قال موسى : هي عصاي ، فأبى أن يعطيه ، فاختصما حتى رضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي ، فقضى بينهما ، فقال : ضعوها بالأرض فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذها موسى بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ.
وروى حيان عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنّه قال : كان في دار يثرون بيت لا يدخله إلّا يثرون وابنته التي زوجها موسى ، كانت تكنسه وتنظّفه ، وكان في البيت ثلاث عشرة عصا ، وكان ليثرون أحد عشر ولدا من الذكور ، فكلّما أدرك منهم ولد أمره بدخول البيت وإخراج عصا من تلك العصيّ ، فجعل يحترق الولد حتى هلك كلّهم ، فرجع موسى ذات يوم إلى منزله فلم يجد أهله ، واحتاج إلى عصا لرعيه ، فدخل ذلك البيت وأخذ عصا من تلك العصي وخرج بها ، فلمّا علمت بذلك امرأته انطلقت إلى أبيها ، وأخبرته بذلك ، فسرّ بها يثرون وقال لها : إنّ زوجك هذا نبي وإنّ له مع هذه العصا لشأنا.
وفي بعض الأخبار أنّ موسى عليهالسلام لمّا أصبح من الغد بعد العقد وأراد الرعي قال له صهره شعيب : اذهب بهذه الأغنام ، فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك وإن كان الكلأ بها أكثر ، فإنّ هناك تنينا عظيما أخشى عليك وعلى الأغنام منه. فذهب موسى بالأغنام ، فلمّا بلغ مفرق الطريق أخذت الأغنام ذات اليمين ، فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فسار موسى على أثرها ، فرأى عشبا وريفا لم ير مثله ، ولم ير التنين ، فنام موسى والأغنام ترعى ، فإذا بالتنين قد جاء ، فقامت عصا موسى وحاربته حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى وهي دامية.
فلمّا استيقظ موسى رأى العصا دامية والتنين مقتولا ، فارتاح لذلك وعلم أنّ لله سبحانه في تلك العصا قدرة وإرادة ، فعاد إلى شعيب ، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام ، فإذا هي أمثل حالا مما كانت ، فسأله ، فأخبره موسى بالقصة ، ففرح بذلك شعيب وعلم أنّ لموسى وعصاه شأنا ، فأراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراما له وصلة لابنته فقال له : إنّي قد وهبت لك [من] الجدايا التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام.
قال : فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه ، فما أخطأت واحدة منها إلّا وقد