(قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فانطلق موسى معها يتبعها ، فهبت الريح ، فألزقت ثوب المرأة بردفها ، فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال لها : امشي خلفي ، وانعتي لي الطريق ، ودلّيني عليها إن أخطأت ، فإنّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء (فَلَمَّا جاءَهُ) يعني الشيخ (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أخبره بأمره والسبب الذي أخرجه من أرضه (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني فرعون وقومه لا سلطان له بأرضنا.
(قالَتْ إِحْداهُما) وهي التي تزوجها موسى (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) لرعي أغنامنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) ، فقال لها أبوها : وما علمك بقوته وأمانته؟ فقالت : أما قوته فإنّه لما رآنا حابسي (١) أغنامنا عن الماء ، قال لنا : فهل بقربكما بئر؟ قلنا : نعم ، ولكن عليها صخرة لا يرفعها إلّا أربعون رجلا ، قال : انطلقا بي إليها [فأخذ] الصخرة بيده فنحّاها.
وأما أمانته فإنّه قال لي في الطريق : امشي خلفي ، وإن أخطأت فارمي قدامي بحصاة حتى أنهج نهجها (٢).
(قالَ) عند ذلك الشيخ لموسى (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) واسمهما صفورة ولباني ، قول شعيب الجبّائي قال : امرأة موسى صفورة ، وقال ابن إسحاق : صفورة وشرفا ، وغيرهما : الكبرى صفرا والصغرى صفيرا (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) يعني آجرني ، وقالت الأئمة : على أن تثيبني من تزويجها رعيّ (٣) ماشيتي (ثَمانِيَ حِجَجٍ) سنين واحدتها حجة ، جعل صداقها ذلك ، قال : [يقول العرب] آجرك الله فهو يأجرك بمعنى أثابك (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) وأنت به متبرع متفضل وليس مما اشترطه عليك في عقد النكاح (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) من الوافين بالعهد ، المحسنين الصحبة (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) الثمان أو العشر (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) شهيد وحفيظ.
وقالت العلماء بأخبار الأنبياء : أنّ موسى وصاحبه عليهماالسلام لما تعاقدا بينهما هذا العقد أمر صهره احدى بنتيه أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في حال تلك العصا ، فقال عكرمة : خرج بها آدم من الجنة وأخذها جبريل بعد موت آدم ، فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه ، وقال آخرون : لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب وكانت عصيّ الأنبياء عنده ، فأعطاها موسى.
__________________
(١) في نسخة أصفهان : حابسين.
(٢) في نسخة أصفهان : نهجا.
(٣) في نسخة أصفهان : عن.