عملوا في إبطال آياتنا (مُعاجِزِينَ) أي مغالبين مشاقّين قال ابن عباس ، الأخفش : متأنّفين ، قتادة : ظنّوا أنّهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم ولن يعجزوه.
وقرأ ابن كثير وأبو عمر : معجّزين بالتشديد أي مثبّطين الناس عن الإيمان ، ومثله في سورة سبأ.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى).
قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسّرين : لمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تولّي قومه عنه وشقّ عليه ما رأى من مباعدتهم عمّا جاءهم به من الله سبحانه تمنّى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم ، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله ، فأحبّ يومئذ ألّا يأتيه من الله تعالى شيء فينفروا عنه ، وتمنى ذلك فأنزل الله سبحانه سورة (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (١) فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢) ألقى الشيطان على لسانه لمّا كان يحدث به نفسه ويتمناه : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى.
فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قراءته فقرأ السورة كلّها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلّا سجد إلّا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنّهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود ، وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، وقالوا : قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعل لها محمد نصيبا فنحن معه ، فلمّا أمسى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد ماذا صنعت؟! لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، وقلت ما لم يقل لك ، فحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كبيرا فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبلغهم سجود قريش ، وقيل : قد أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا : هم أحبّ إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان ، فلمّا نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله ، فغيّر ذلك وجاء بغيره ، وكان ذانك الحرفان اللذان ألقى
__________________
(١) سورة النجم : ١.
(٢) سورة النجم : ١٩ ـ ٢٠.