يضلّ من تولاه (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) وتأويل الآية : قضي على الشيطان أنّه يضلّ أتباعه ويدعوهم إلى النار.
ثمّ ألزم الحجّة منكري البعث فقال عزّ من قائل (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل ووالد البشر (مِنْ تُرابٍ ثُمَ) ذرّيته (مِنْ نُطْفَةٍ) وهو المنيّ وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) وهي الدم العبيط الجامد وجمعها علق (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) وهي لحمة قليلة قدر ما تمضع (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ).
قال ابن عباس وقتادة : تامّة الخلق وغير تامة.
وقال مجاهد : مصوّرة وغير مصوّرة يعني السقط.
قال عبد الله بن مسعود : إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله عزوجل ملكا فقال : يا رب مخلّقة أو غير مخلقة؟ فإن قال : غير مخلّقة مجّتها الأرحام دما وإن قال : مخلّقة قال : يا ربّ فما صفة هذه النطفة؟ أذكر أم أنثى؟ ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له : انطلق إلى أمّ الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة ، فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.
(لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريفنا أطوار خلقكم.
(وَنُقِرُّ) روي عن عاصم بفتح الراء على النسق ، غيره : بالرفع على معنى ونحن نقر (فِي الْأَرْحامِ) ما نَشاءُ) فلا تمجّه ولا تسقطه (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقت خروجها من الرحم تامّ الخلق والمدّة (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من بطون أمهاتكم (طِفْلاً) صغارا ولم يقل أطفالا لأنّ العرب تسمّي الجمع باسم الواحد.
قال الشاعر :
إنّ العواذل ليس لي بأمير
ولم يقل أمراء.
وقال ابن جريج (١) : تشبيها باسم المصدر مثل : عدل وزور ، وقيل : تشبيها بالخصم والضيف.
(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) كمال عقولكم ونهاية قواكم.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) قبل بلوغ الأشدّ (وَمِنْكُمْ مَنْ) يعمّر حتى (يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو الهرم والخرف (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً).
ثمّ بيّن دلالة أخرى للبعث فقال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) يابسة دارسة الأثر من الزرع والنبات كهمود النار.
__________________
(١) في النسخة الثانية : ابن جرير.